للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كَتَصْرِيَةٍ) لِحَيَوَانٍ وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَهِيَ أَنْ يَتْرُكَ حَلْبَهُ قَصْدًا مُدَّةً قَبْلَ بَيْعِهِ لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ: بَعْدَ النَّهْيِ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ.» وَقِيسَ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ غَيْرُهُمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْحُرْمَةِ وَالْمُرَادُ بِالضَّرَرِ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ أَمْثِلَةِ التَّغْرِيرِ بِخِلَافِ ضَرَرِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي بَعْضِهَا كَالتَّصْرِيَةِ.

(قَوْلُهُ: كَتَصْرِيَةٍ) لَا تَظْهَرُ لِغَالِبِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا خِيَارَ وَالتَّصْرِيَةُ مِنْ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . اهـ. حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ نَفْيُ الْإِسْلَامِ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ أَوْ كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ تَلْعَنُهُ لَكِنْ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ ع ش عَلَى م ر مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْغَايَةَ لِلرَّدِّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ النَّعَمِ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ النَّعَمِ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ لَا فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يُتْرَكَ) أَيْ: شَرْعًا وَأَمَّا لُغَةً فَهِيَ أَنْ تُرْبَطَ حَلَمَةُ الضَّرْعِ لِيَجْتَمِعَ اللَّبَنُ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ) نَعَمْ لَوْ دَرَّ اللَّبَنُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ فَلَا خِيَارَ كَمَا هُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ دَرَّ اللَّبَنُ أَيْ: وَدَامَ مُدَّةً يَغْلِبُ فِيهَا عَلَى الظَّنِّ أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ صَارَتْ طَبِيعَةً لَهَا أَمَّا لَوْ دَرَّ نَحْوَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ؛ لِظُهُورِ أَنَّ اللَّبَنَ فِي ذَيْنِك لِعَارِضٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ. ع ش (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا) أَيْ: وَثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ ح ل وَقَالَ: ع ش عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِهِ لِمُطْلَقِ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي تَحْرِيمِهَا وَثُبُوتَ الْخِيَارِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ شَامِلٌ لَهُمَا إمَّا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لِلتَّدْلِيسِ وَالضَّرَرِ السَّابِقَيْنِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا ذُكِرَ مُفَرَّعٌ عَلَى النَّهْيِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُسَقْ لَهُ إذْ كَثِيرًا مَا يَحْمِلُونَ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَعَانٍ قَاصِرَةٍ عَنْ مَدْلُولَاتِهَا اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ السِّيَاقِ. (قَوْلُهُ: لَا تُصَرُّوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَنَصْبِ الْإِبِلِ مِنْ التَّصْرِيَةِ وَهِيَ الْجَمْعُ أَيْ: لَا تَجْمَعُوا اللَّبَنَ فِي ضَرْعِهَا عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا حَتَّى يَعْظُمَ ضَرْعُهَا فَيُظَنَّ أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ عَادَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ، وَوَرَدَ لَا تَصُرُّوا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ مِنْ الصَّرِّ، وَوَرَدَ لَا تُصَرُّ الْإِبِلُ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ غَيْرِ وَاوٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَالْإِبِلُ نَائِبُ الْفَاعِلِ مِنْ الصَّرِّ أَيْضًا وَهُوَ رَبْطُ أَخْلَافِهَا جَمْعُ خَلَفٍ وَهُوَ رَأْسُ الثَّدْيِ. اهـ سُيُوطِيُّ شَوْبَرِيٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ وَالْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ: فَمَنْ ابْتَاعَهَا) أَيْ: اشْتَرَاهَا (قَوْلُهُ: أَيْ: بَعْدَ النَّهْيِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَيْعٌ قَبْلَ النَّهْيِ لِلْمُصَرَّاةِ ثُمَّ عَلِمَ بِتَصْرِيَتِهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ وُرُودِ النَّهْيِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِبَعْدِ النَّهْيِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ لَا إثْمَ فِيهِ.

ع ش (قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا) بِضَمِّ اللَّامِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَبِكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَطَلَبَ وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ فَعَلَيْهِ يَكُونُ الْمَصْدَرُ بِالسُّكُونِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ الْفَتْحُ كَمَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْخُلْطَةِ قَالَ شَيْخُنَا وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ غَالِبًا لَا تَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ وَإِلَّا فَلَوْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ الْحَلْبِ فَلَهُ الْخِيَارُ كَذَلِكَ

وَقَوْلُهُ: إنْ رَضِيَهَا إلَخْ بَيَانٌ لِلنَّظَرَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَخِطَهَا) بَابُهُ طَرِبَ مُخْتَارٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٨٠]

وَقَوْلُهُ {يَسْخَطُونَ} [التوبة: ٥٨] إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي قَالَ ح ل وَكَانَ الْقِيَاسُ عَدَمَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَلِفَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُرَدُّ قَهْرًا بِعَيْبِ بَعْضِ مَا بِيعَ صَفْقَةً وَلَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ الْآخَرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ يُفْرَدُ بِعَقْدٍ، وَاللَّبَنُ لَا يُفْرَدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ وَالْقِيَاسُ امْتِنَاعُ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ جَوَّزْنَاهُ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ. (قَوْلُهُ: وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ لِلصَّاعِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي رَدِّهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُ جُمْهُورِ النُّحَاةِ إنَّ شَرْطَ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ سِرْت وَالنِّيلَ. فَإِنْ قِيلَ التَّعْبِيرُ بِالرَّدِّ فِي الْمُصَرَّاةِ وَاضِحٌ فَمَا مَعْنَى التَّعْبِيرِ بِالرَّدِّ فِي الصَّاعِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ

عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

مَجَازًا عَنْ فِعْلٍ شَامِلٍ لِلْأَمْرَيْنِ أَيْ: نَاوَلْتهَا فَيُحْمَلُ الرَّدُّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ هَذَا التَّأْوِيلِ.

اهـ شَوْبَرِيٌّ بِأَنْ يُؤَوَّلَ رَدَّ بِدَفَعَ قَالَ الْبَابِلِيُّ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>