للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِالسَّلَمِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (هُوَ بَيْعُ) شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّةٍ بِلَفْظِ سَلَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بَيْعٌ لَا سَلَمٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ اضْطِرَابًا وَقَالَ الْفَتْوَى عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّهُ سَلَمٌ وَعَزَاهُ لِلنَّصِّ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ بَيْعٌ نَظَرًا لِلَفْظِ سَلَمٍ نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ النَّصِّ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْأَحْكَامَ تَابِعَةٌ لِلْمَعْنَى الْمُوَافِقِ لِلنَّصِّ حَتَّى يُمْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ فِيهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِالسَّلَمِ) أَيْ فَسَّرَ الدَّيْنَ فِيهَا بِدَيْنِ السَّلَمِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ شَيْخُنَا فَالْخِطَابُ فِيهَا لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: مَنْ أَسْلَفَ) أَيْ مَنْ أَرَادَ السَّلَفَ فِي شَيْءٍ إلَخْ وَمِثْلُهُ حَجّ.

وَعِبَارَةُ م ر «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ» إلَخْ وَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيمَا قُدِّرَ بِالذَّرْعِ وَالْعَدِّ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ.

وَعِبَارَةُ ح ل «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ» أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسْلِفَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَوْ مَوْزُونٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَا أَنَّهُ حَصَرَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَكُونُ حَالًّا فَلَا يُنَافِي أَيْضًا مَا يَأْتِي أَنَّ السَّلَمَ يَكُونُ فِيمَا يُعَدُّ كَاللَّبَنِ أَوْ فِيمَا يُذْرَعُ كَالثِّيَابِ ح ل مَعَ تَغْيِيرٍ وَفِي غَيْرِهِمَا كَالْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ: وَوَزْنٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ إلَخْ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ بِالْجَرِّ أَيْ فَمَوْصُوفٌ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَإِنَّمَا فَعَلَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فِي الذِّمَّةِ فَلَوْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ كَانَ الْمَعْنَى بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: فِي ذِمَّتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَوْصُوفٍ أَوْ بِبَيْعٍ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ

وَقَوْلُهُ: بَعْدُ فَلَوْ أَسْلَمَ فِي مُعَيَّنٍ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ إذْ الْبَيْعُ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِتَجَوُّزٍ كَأَنْ يُقَالَ مَوْصُوفٌ مَبِيعُهُ أَوْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَيْ التَّجَوُّزِ وَهَذَا مَعْنَاهُ شَرْعًا وَأَمَّا لُغَةً فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا مِسْكِينٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً الِاسْتِعْجَالُ وَقَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ لُغَةً التَّقْدِيمُ أَوْ التَّأْخِيرُ لِأَنَّهُ فِيهِ اسْتِعْجَالُ رَأْسِ الْمَالِ وَتَقْدِيمُهُ وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَالَ ع ش وَيُؤْخَذُ مِنْ جَعْلِهِ بَيْعًا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ يَكُونُ كِنَايَةً كَالْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الَّتِي يَفْهَمُهَا الْفَطِنُ دُونَ غَيْرِهِ وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَلَمُ الْكَافِرِ فِي الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِثْلُهُ الْمُرْتَدُّ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ شَرْحُ م ر وَمِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ مَا يَمْتَنِعُ تَمَلُّكُ الْكَافِرِ لَهُ كَالْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ ع ش وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَلَمُ الْكَافِرِ فِي الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَسْلَمَ لِلْكَافِرِ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ صَحَّ قَالَ حَجّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِيهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَاصِلًا عِنْدَ الْكَافِرِ أَوْ لَا لِنُدْرَةِ دُخُولِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ وَلَا يَرِدُ مَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ وَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ عَمَّا فِيهَا وَيَجُوزُ تَلَفُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفِ أَيْ لَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ جَوَازُ شَرْطِ الْخِيَارِ وَتَسْلِيمِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْمَجْلِسِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَنْ الثَّمَنِ وَالْحَوَالَةِ بِهِ وَعَلَيْهِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ بَيْعٌ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضٌ فِي الْمَجْلِسِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَيَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الثَّمَنِ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَأَمَّا الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمَبِيعِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ بَيْعٌ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ وَالْأَحْكَامُ فِيهِ أَيْضًا تَابِعَةٌ لِلَّفْظِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ ثَمَنِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ قُصِدَ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. وَكَوْنُهُ سَلَمًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ الْأَحْكَامُ تَابِعَةٌ) سَيَأْتِي أَنَّهُمْ إنَّمَا يُرَجِّحُونَ الْمَعْنَى إذَا قَوِيَ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ الَّذِي اقْتَضَى تَقْوِيَةَ الْمَعْنَى هُنَا وَلَعَلَّهُ كَوْنَهُمْ اشْتَرَطُوا فِيهِ شُرُوطًا وَرَتَّبُوا عَلَيْهِ أَحْكَامًا فَنَاسَبَ رِعَايَةَ الْمَعْنَى كَمَنْعِهِمْ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْمَعْنَى ع ش (قَوْلُهُ: تَابِعَةٌ لِلْمَعْنَى) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَمْتَنِعَ الِاسْتِبْدَالُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَبِيعِ قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الْمَبِيعِ مُمْتَنِعٌ قَطْعًا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ مَبِيعٌ أَوْ سَلَمٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ بَيْعٌ يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَتَأْخِيرُ قَبْضِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ سَلَمٌ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ مَعْنَاهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ شَيْخُنَا.

وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: فِيهِ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>