وَفُهِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ قَبْلَ الْفَسَادِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ لِمَقْصُودِ التَّوْثِيقِ فِي الْأُولَى وَمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمَحَلِّ، وَالْبَيْعِ قَبْلَهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الرَّهْنِ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَصْحِيحِهِ فِيهَا وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ وَمُقَابِلُهُ يَصِحُّ وَيُبَاعُ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ؛ لِأَنَّ: الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إفْسَادَ مَالِهِ، وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. .
(وَلَا يَضُرُّ طُرُوُّ مَا عَرَّضَهُ لَهُ) أَيْ: لِلْفَسَادِ قَبْلَ الْحُلُولِ (كَبُرٍّ ابْتَلَّ) ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَجْفِيفُهُ؛ لِأَنَّ: الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ بَلْ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَجْفِيفِهِ عَلَى بَيْعِهِ، وَجَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ
(وَصَحَّ رَهْنٌ مُعَارٍ بِإِذْنٍ) مِنْ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّوْثِقَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهِ (وَتَعَلَّقَ بِهِ) لَا بِذِمَّةِ الْمُعِيرِ. (الدَّيْنُ فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِهِ) أَيْ: الدَّيْنِ (وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ) كَحُلُولٍ وَتَأْجِيلٍ وَصِحَّةٍ وَتَكْسِيرٍ (وَمُرْتَهِنٍ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَإِذَا عَيَّنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ قَدْرًا فَرَهَنَ بِدُونِهِ جَازَ.
(وَبَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ الْمُعَارَ. (لَا رُجُوعَ فِيهِ) لِمَالِكِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الرَّهْنِ مَعْنَى أَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ. (وَلَا ضَمَانَ) عَلَى الرَّاهِنِ (لَوْ تَلِفَ) الْمُعَارُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ: الْحَقَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ ذِمَّتِهِ وَلَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهُوَ يَكُونُ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ
وَأَخِّرْنَهُ إنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ
وَالْخَبَرُ شَامِلٌ لِلْمَنْسُوخِ، فَانْظُرْ وَجْهَهُ وَلَعَلَّهُ حَذْفٌ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِهِمْ. (قَوْلُهُ وَفُهِمَ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لَكِنْ شَرْطُ بَيْعِهِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَطْلَقَ) أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ بَيْعًا وَلَا عَدَمَهُ، وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ الْآنَ فَهَلْ يَصِحُّ حَمْلًا لِلْبَيْعِ عَلَى كَوْنِهِ عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ لَا لِاحْتِمَالِهِ لِبَيْعِهِ الْآنَ؟ فِيهِ نَظَرٌ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُكَلَّفِ تُصَانُ عَنْ الْإِلْغَاءِ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ فِي الْأُولَى) هِيَ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالثَّانِيَةُ الْإِطْلَاقُ،
وَقَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَيْ: لِفَسَادِ الْمَرْهُونِ قَبْلَهُ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ،
وَقَوْلُهُ فِيهَا أَيْ: الثَّانِيَةِ وَهِيَ صُورَةُ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ وَهَذَا مَا صَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَصْحِيحِهِ) مُعْتَمَدٌ،
وَقَوْلُهُ وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ ضَعِيفٌ ع ش (قَوْلُهُ وَيُبَاعُ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ) وَيَصِيرُ ثَمَنُهُ رَهْنًا عَلَى دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ عَقْدِ اكْتِفَاءٍ بِكَوْنِ الرَّهْنِ مُقْتَضِيًا لِهَذِهِ الصَّيْرُورَةِ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ طُرُوُّ مَا عَرَضَهُ لَهُ) أَيْ: فِي دَوَامِ صِحَّةِ الرَّهْنِ أَيْ: لَا يَقْتَضِي انْفِسَاخَ الرَّهْنِ م ر (قَوْلُهُ كَبُرٍّ ابْتَلَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَابْتِلَالِ بُرٍّ شَوْبَرِيُّ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَالَ هُوَ الَّذِي عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ قَوْلُهُ كَبُرٍّ ابْتَلَّ مِثَالٌ لِلْمَرْهُونِ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ لَا لِلسَّبَبِ فَلَا يُقَالُ: كَانَ الْأَوْلَى كَابْتِلَالِ بُرٍّ. اهـ.
وَمِثْلُ هَذَا مَا لَوْ مَرِضَ الْحَيَوَانُ مَرَضًا مَخُوفًا فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِهِ، وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا فَلَوْ قَالَ: الرَّاهِنُ أَنَا أَبْذُلُ الْقِيمَةَ لِتَكُونَ رَهْنًا وَلَا أَبِيعُ، فَالظَّاهِرُ إجَابَتُهُ كَمَا فِي سم وَق ل (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى) أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ بَاطِلٌ وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا) أَيْ: بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ ع ش وَفِي الشَّوْبَرِيِّ نَقْلًا عَنْ الْإِيعَابِ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ رَهْنًا مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ عَقْدٍ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ رَهْنُ مُعَارٍ) وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ ضِمْنِيَّةً نَحْوُ ارْهَنْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى دَيْنِي فَفَعَلَ فَإِنَّهُ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ وَرَهَنَهُ ح ل، وَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمُعَارِ الَّذِي رَهَنَهُ لِبَقَاءِ الْإِعَارَةِ م ر قَالَ ع ش: وَيُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ بَلْ يَصِحُّ وَلَوْ مُعَارًا. (قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِهِ) أَيْ: لِلْمُعِيرِ وَعِلْمُ الْمُعِيرِ بِالدَّيْنِ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأُمُورِ كَمَا فِي الْإِيعَابِ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَقَدَّرَهُ) وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ: ارْهَنْ عَبْدِي بِمَا شِئْت صَحَّ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ. ح ل (قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ) وَمِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ عَنْ دَيْنِ الْقَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ فِيمَا لَوْ كَانَا عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ. ح ل (قَوْلُهُ وَإِذَا عَيَّنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) وَلَوْ بِأَنْ يُعَيِّنَ لَهُ زَيْدًا فَيُرْهَنُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ عَكْسِهِ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ يُعَيِّنُ لَهُ وَلِيٌّ مَحْجُورٌ فَيَرْهَنُ مِنْهُ بَعْدَ كَمَالِهِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ) فَلَوْ خَالَفَ بِزِيَادَةٍ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ لَا الزَّائِدِ فَقَطْ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ شَوْبَرِيُّ.
(قَوْلُهُ نِعْمَ لَوْ عَيَّنَ لَهُ قَدْرًا) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا عَيَّنَ شَيْئًا قَالَ ح ل، وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ عَيَّنَ لَهُ أَجَلًا فَرَهَنَ بِأَقَلَّ مِنْهُ جَازَ وَنَازَعَ فِيهِ شَيْخُنَا وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ دُونَ غَيْرِهِ. انْتَهَى (قَوْلُهُ فَرَهَنَ بِدُونِهِ) أَيْ: مِنْ جِنْسِهِ فَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ. اهـ. س ل وَكَذَا لَوْ طَلَبَهُ مِنْهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِ ثِقَةٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ لِسُهُولَةِ مُعَامَلَةِ غَيْرِ الثِّقَةِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عَلَى حَالَ فَرَهَنَهُ بِمُؤَجَّلٍ بِرْمَاوِيٌّ بِزِيَادَةٍ.
(قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِهِ الْإِذْنُ لِلرَّاهِنِ بِوَضْعِ الْمَرْهُونِ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ ح ل لِأَنَّهُ وَإِنْ بَطَلَ الْخُصُوصُ وَهُوَ التَّوَثُّقُ لَا يَبْطُلُ الْعُمُومُ وَهُوَ إذْنُ الْمَالِكِ بِوَضْعِهِ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) أَمَّا لَوْ تَلِفَ عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ انْفِكَاكِهِ فَيَضْمَنُهُ كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ. س ل (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ: