وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَا يُنْدَبُ اسْتِيعَابُهُ وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهُ وَغَسْلُ الْخُفِّ. (وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ) كَمَسْحِ الرَّأْسِ. (فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ بِظَاهِرِ أَعْلَى الْخُفِّ) لَا بِأَسْفَلِهِ وَبَاطِنِهِ وَعَقِبِهِ وَحَرْفِهِ إذْ لَمْ يُرِدْ الِاقْتِصَارَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا، وَرَدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْلَى فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وُقُوفًا عَلَى مَحَلِّ الرُّخْصَةِ وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا أَوْ قَطَّرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَقَوْلِي بِظَاهِرٍ مِنْ زِيَادَتِي. .
(وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ) كَأَنْ نَسِيَ ابْتِدَاءَهَا أَوْ أَنَّهُ مَسَحَ حَضَرًا، أَوْ سَفَرًا لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ بِشُرُوطٍ: مِنْهَا الْمُدَّةُ فَإِذَا شَكَّ فِيهَا رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ. (وَلَا لِمَنْ لَزِمَهُ) أَيْ: لَابِسِ الْخُفِّ. (غَسْلٌ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ أَجْنَبَ وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ أَيْ: إنْ أَرَادَ الْمَسْحَ فَيَنْزِعَ وَيَتَطَهَّرَ، ثُمَّ يَلْبَسَ حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ لَابِسًا لَا يَمْسَحُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ صَفْوَانَ «قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ، وَقِيسَ بِالْجَنَابَةِ مَا فِي مَعْنَاهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ تَكَرُّرَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَفَارَقَ الْجَبِيرَةَ مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْحًا بِأَعْلَى سَاتِرٍ لِحَاجَةٍ مَوْضُوعٍ عَلَى طُهْرٍ بِأَنَّ الْحَاجَةَ ثَمَّ أَشَدُّ وَالنَّزْعَ أُشَقُّ. .
(وَمَنْ فَسَدَ خُفُّهُ، أَوْ بَدَا)
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأُولَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا تَرْكُ سُنَّةٍ وَاضِحَةٍ بِالدَّلِيلِ وَقَدْ وَرَدَ الدَّلِيلُ بِمَسْحِهِ خُطُوطًا شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ. (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ إلَخْ) حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِبَاحَةُ فَبَيَّنَ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا أَمْكَنَ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ مَعْنَى لَا يُنْدَبُ لَا يُطْلَبُ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْإِبَاحَةَ صَادِقٌ بِخِلَافِ الْأَوْلَى ع ش. (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ الْخُفِّ) أَيْ لِأَنَّهُ يَعِيبُهُ لَا يُقَالُ فِي التَّعْيِيبِ إتْلَافُ مَالٍ فَيَحْرُمُ الْغُسْلُ وَالتَّكْرَارُ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ قَالَ ح ل قَوْلُهُ: وَغَسْلُ الْخُفِّ أَيْ حَيْثُ كَانَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ دُونَ مَا لَا يَفْسُدُ بِهِ كَأَنْ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ اهـ.
وَإِنَّمَا أَبْرَزَ الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِتَكْرِيرِ الْغَسْلِ شَوْبَرِيٌّ أَيْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ غَسْلِ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ وَفِيهِ أَنَّ التَّوَهُّمَ مَوْجُودٌ مَعَ الْإِظْهَارِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَوْ أَضْمَرَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ. (قَوْلُهُ: كَمَسْحِ الرَّأْسِ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ شَعْرِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ حَجّ وَجَرَى شَيْخُنَا م ر عَلَى عَدَمِ إجْزَائِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّأْسِ شَوْبَرِيٌّ أَيْ فَرَّقَ بِأَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِمَا رَأَسَ وَعَلَا وَالشَّعْرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْخُفِّ شَعْرُهُ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا فِي ز ي وَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى الْخَيْطِ الَّذِي خِيطَ بِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهُ وَعَلَى الْأَزْرَارِ وَالْعُرَى الَّتِي لَهُ إذَا كَانَتْ مُثَبَّتَةً فِيهِ بِنَحْوِ الْخِيَاطَةِ سم.
. (قَوْلُهُ: وَلَا لِمَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ) أَيْ أَصَالَةً فَخَرَجَ الْمَنْذُورُ فَلَهُ الْمَسْحُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ وَلَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَهُوَ لَابِسٌ لَهُ ع ش وح ف وَقَوْلُهُ: فَلَهُ الْمَسْحُ أَيْ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ وَلَا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ الْغُسْلِ الْمَنْذُورِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَمْسَحُ الْخُفَّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِمَا فِي ذَلِكَ الْغُسْلِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِمَنْ تَنَجَّسَ جَمِيعُ بَدَنِهِ، أَوْ بَعْضُهُ وَاشْتَبَهَ مَعَ أَنَّهُ يَمْسَحُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِكَشْطِ جِلْدِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَابِسٍ) بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَنْ، أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْهَاءِ فِي لَزِمَهُ أَيْ لِأَنَّ مِنْ وَاقِعَةٌ عَلَى لَابِسٍ فَالتَّقْدِيرُ وَلَا لِلَّابِسِ لَزِمَهُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَفْرًا) جَمْعُ سَافِرٍ بِمَعْنَى مُسَافِرٍ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ لَا مِنْ يَأْمُرُنَا فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْرِدٌ وَمَحَلٌّ لِلطَّلَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِيَأْمُرُنَا فَيَكُونُ الْإِثْبَاتُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ مَطْلُوبًا وَمَأْمُورًا بِهِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: ٤٠] بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِخَبَرِ صَفْوَانَ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ لَا يَمْسَحُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَنْ الْجَنَابَةِ فِي الْخُفِّ وَأَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثًا أَصْغَرَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْسَحَ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُدَّعَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِمَا عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَمَا يَقْتَضِيهِ هَذَا التَّعْلِيلُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَامٌّ لِلْأَمْرَيْنِ أَيْ لِعَدَمِ مَسْحِ الْخُفِّ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ. (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ الْجَبِيرَةَ) الضَّمِيرُ فِي فَارَقَ يَعُودُ عَلَى الْمَسْحِ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَيْ فَارَقَ مَسْحُ الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِمَا عَنْ الْجَنَابَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ الْجَبِيرَةُ أَيْ مَسْحُهَا عَنْ الْجَنَابَةِ حَيْثُ يَصِحُّ مَعَ الْجَوَازِ وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: وَفَارَقَ الْجَبِيرَةَ أَيْ حَيْثُ لَمْ يُؤَثِّرْ نَحْوُ الْجَنَابَةِ فِي مَنْعِ مَسْحِهَا اهـ.
أَيْ وَأَثَّرَ فِي مَنْعِ مَسْحِ الْخُفِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثَمَّ) أَيْ فِي الْجَبِيرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ فَسَدَ خُفُّهُ) أَيْ خَرَجَ عَنْ صَلَاحِيَّةِ الْمَسْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَدَا شَيْءٌ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى صِلَةِ مَنْ فَهِيَ صِلَةٌ وَكَذَا مَا بَعْدَهَا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ مَعْطُوفَتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَى الصِّلَةِ تَلَبُّسُهُ بِضَمِيرِ الْمَوْصُولِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ وَلَا يَسُوغُ تَرْكُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ كَمَا فِي الْأُشْمُونِيِّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَائِدَ هُوَ الْهَاءُ مِنْ بِهِ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى خُفِّهِ الْمُضَافُ إلَى ضَمِيرِ الْمَوْصُولِ وَالْعَائِدُ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ مَحْذُوفٌ أَيْ الْمُدَّةُ لِمَسْحِهِ وَهَلْ يَكْفِي ضَمِيرُ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: هُنَا وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ كَقَوْلِنَا مَنْ مَضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute