تُخْبِرُ بَاطِنَهُ) بِطُولِ جِوَارِهِ وَكَثْرَةِ مُخَالَطَتِهِ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ تَخْفَى فَإِنْ عَرَفَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِهِ إنَّهُ بِهَا (وَتَشْهَدُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا مَا يَبْقَى لِمُمَوِّنِهِ) فَتُفِيدُ النَّفْيَ وَلَا تُمَحِّضُهُ كَقَوْلِهَا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ (وَإِذَا ثَبَتَ) أَيْ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي (أُمْهِلَ) حَتَّى يُوسِرَ فَلَا يُحْبَسُ وَلَا يُلَازِمُ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ نَعَمْ لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُ لِلْوَلَدِ وَلَا الْمُكَاتَبُ لِلنُّجُومِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ تُخْبِرُ بَاطِنَهُ) فِي الْمُخْتَارِ خَبَرَ الْأَمْرَ عَلِمَهُ وَبَابُهُ نَصَرَ وَالِاسْمُ الْخُبْرُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ وَاخْتَبَرْته امْتَحَنْته وَالْخِبْرَةُ بِالْكَسْرِ مِنْهُ انْتَهَى (قَوْلُهُ: بِطُولِ جِوَارِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا شَوْبَرِيٌّ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ وُجُوهَ الِاخْتِبَارِ ثَلَاثَةٌ إمَّا الْجِوَارُ أَوْ الْمُعَامَلَةُ أَوْ الْمُرَافَقَةُ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ لِمَنْ زَكَّى الشَّاهِدَيْنِ: بِمَاذَا تَعْرِفُهُمَا؟ قَالَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ فَقَالَ لَهُ هَلْ أَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا؟ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ عَامَلْتَهُمَا فِي الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ رَافَقْتَهُمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ أَيْ يَكْشِفُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ؟ قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّك لَا تَعْرِفْهُمَا لَعَلَّك رَأَيْتَهُمَا فِي الْجَامِعِ يُصَلِّيَانِ ق ل عَلَى الْجِلَالِ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا (قَوْلُهُ: فَتُفِيدُ النَّفْيَ وَلَا تُمَحِّضُهُ) عِبَارَةُ شَرْحُ م ر وَلْيَقُلْ الشَّاهِدُ هُوَ مُعْسِرٌ وَلَا يُمَحِّضْ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ بَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَالٍ غَائِبٍ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِدَلِيلِ فَسْخِ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِ وَإِعْطَائِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَكَدَيْنٍ لَهُ مُؤَجَّلٍ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ جَاحِدٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْحَجُّ وَبِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ قَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِالْكَسْبِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ قَدْ تَزِيدُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ.
قَالَ فَالطَّرِيقُ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ الْعَجْزَ الشَّرْعِيَّ عَنْ وَفَاءِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ مُعْسِرٌ لَا مَالَ لَهُ يَجِبُ وَفَاءُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ ثُبُوتُ الْإِعْسَارِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى خُصُوصِ دَيْنٍ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ الْإِعْسَارَ الَّذِي تَمْتَنِعُ مَعَهُ الْمُطَالَبَةُ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصِّيَغِ إنَّمَا يَأْتِي إطْلَاقُهُ مِنْ عَالِمٍ بِهَذَا الْبَابِ وَافَقَ مَذْهَبَ الْحَاكِمِ فِيهِ وَأَتَى لَهُ بِشَاهِدَيْنِ يَخْبَرَانِ بَاطِنَهُ كَذَلِكَ فَلَوْ نَظَرْنَا لِمَا ذَكَرَهُ لَتَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ ثُبُوتُ إعْسَارِهِ وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى فَكَانَ اللَّائِقُ بِالتَّخْفِيفِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مَعَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ وَلَا نَظَرَ لِلْمُشَاحَحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِعْسَارُ فِي هَذَا الْبَابِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ كَانَ مَعَهُ ثِيَابٌ غَيْرُ لَائِقَةٍ بِهِ لَمْ يَخَفْ عَلَى دَائِنِهِ غَالِبًا فَكَانَ سُكُوتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ وُجُودِهِمَا مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بِذَلِكَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ غَالِبًا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَبْسِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَذِبٌ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ مَحَّضْتَ النَّفْيَ كَفَى وَثَبَتَ الْإِعْسَارُ إذْ غَايَتُهُ الْكَذِبُ وَالْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا كَذَا اعْتَمَدَهُ م ر.
(فَرْعٌ)
إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ بِالنِّسْبَةِ لِقَدْرٍ ثَبَتَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَوْقَهُ دُونَ مَا دُونَهُ سم (قَوْلُهُ: وَلَا يُلَازَمُ) أَيْ وَلَا يُطَالَبُ فَتَحْرُمُ مُطَالَبَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ) فَإِنَّهُ يُحْبَسُ وَأُجْرَةُ الْحَبْسِ وَالسَّجَّانِ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يُحْبَسُ إنْ كَانَ يَنْزَجِرُ بِالْحَبْسِ وَإِلَّا رَأَى فِيهِ مَا يَرَاهُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ ح ل.
وَعِبَارَةُ م ر وَأُجْرَةُ الْحَبْسِ وَالسَّجَّانِ عَلَى الْمَحْبُوسِ وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ أَيْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يُعَزِّرُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ بِهِ ع ش وَقَالَ م ر أَيْضًا فِي بَابِ الْقَضَاءِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ، وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَبَيْنَهُمَا تَخَالُفٌ قَالَ ع ش يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لِصَاحِبِهِ فَحَبْسُهُ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ فَلَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَالْحَبْسُ هُنَا لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ وَيُصَوَّرُ بِمَا إذَا حُبِسَ لِإِثْبَاتِ الْإِعْسَارِ فَقَطْ وَمَا هُنَاكَ بِمَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْفِعْلِ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ وَحُبِسَ لَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُ إلَخْ) أَيْ كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ وَمِثْلُ مَنْ ذُكِرَ الْمَرِيضُ وَالْمُخَدَّرَةُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَلَا يُحْبَسُونَ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ وَأَفْتَى بِهِ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِمْ لِيَتَرَدَّدُوا وَلَا الطِّفْلُ وَلَا الْمَجْنُونُ وَلَا أَبُوهُ وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ وَالْوَكِيلُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ وَلَا الْعَبْدُ الْجَانِي وَلَا سَيِّدُهُ شَرْحُ م ر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute