للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] وَآيَةُ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: ٢٨٢] وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ وَبِالْكَبِيرِ الْمُخْتَلِّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهَا أَبْوَابٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا يَأْتِي، وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَجْرُ (بِجُنُونٍ وَصِبًا وَسَفَهٍ فَالْجُنُونُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) لَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ عَدَمُ صِحَّةِ أَقْوَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِسَلْبِ عِبَارَتِهِمَا وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْحَجْرِ سم شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] كُنِّيَ عَنْ الْحَجْرِ بِالِابْتِلَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِابْتِلَاءِ تَقَدُّمُ الْحَجْرِ وَكُنِّيَ عَنْ الْبُلُوغِ بِبُلُوغِ النِّكَاحِ شَرْحُ م ر بِزِيَادَةِ وَوَجْهُ التَّكْنِيَةِ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِاخْتِبَارِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ التَّصَرُّفِ ع ش. قَوْلُهُ: وَآيَةُ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: ٢٨٢] فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي إمْلَاءِ الْحَقِّ لِلْكَاتِبِ كَمَا قَالَ {فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] ثُمَّ قَالَ {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ يُمْلِلْ الْكَاتِبُ أَيْ يُمْلِي عَلَيْهِ مَا يَكْتُبُهُ إلَّا أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ التَّصَرُّفَاتِ شَيْخُنَا.

وَانْظُرْ وَجْهُ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْحَجْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: ٢٨٢] ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ وَاللَّامُ الثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنْ الْيَاءِ وَالْأَصْلُ فَلْيُمْلِي.

وَعِبَارَةُ الْجَلَالَيْنِ قَوْلُهُ: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ مُبَذِّرًا أَوْ ضَعِيفًا عَنْ الْإِمْلَاءِ بِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ لِخَرَسٍ أَوْ جَهْلٍ بِاللُّغَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلِيُمْلِلْ وَلِيُّهُ مُتَوَلِّي أَمْرِهِ مِنْ وَالِدٍ وَوَصِيٍّ وَقَيِّمٍ وَمُتَرْجِمٍ.

قَالَ ع ش: وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْأُولَى أَنَّهَا أَفَادَتْ مَا لَمْ تُفِدْهُ الْأُولَى وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الثَّانِيَةِ مَعَ شُمُولِهَا لِمَا فِي الْأُولَى بِنَاءً عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْأُولَى التَّصْرِيحُ بِالْيَتِيمِ وَبِأَنَّ مَالَهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بَعْدَ رُشْدِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَبِالْكَبِيرِ الْمُخْتَلِّ) أَيْ مُخْتَلِّ النَّظَرِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ فَيُغَايِرُ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلٌّ بِالْجُنُونِ ح ف (قَوْلُهُ: بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ) بِأَنْ زَالَ شُعُورُهُ بِالْمَرَّةِ سَوَاءٌ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا وَبِهَذَا يُغَايِرُ تَفْسِيرَ الضَّعِيفِ بِالصَّبِيِّ وَبِالْكَبِيرِ الْمُخْتَلِّ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِلَالِ فِيهِ نُقْصَانُ عَقْلِهِ لَا زَوَالُهُ ع ش (قَوْلُهُ: لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ) أَيْ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَيْ قَصْدًا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مَا لِلْمَحْجُورِ أَيْضًا كَسَلَامَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ حُقُوقِ الْغَيْرِ إذْ لَوْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِضِيَعِهِ فِي غَيْرِ بَرَاءَتِهَا فَتَبْقَى مُرْتَهِنَةً بِدَيْنِهَا فِي الْآخِرَةِ.

وَالثَّالِثُ يَبْقَى عَلَيْهِ بَعْضُ خَيْرٍ فَاتَهُ لِوَرَثَتِهِ وَفِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ يَبْقَى عَلَيْهِ حَقُّ سَيِّدِهِ اهـ إيعَابٌ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى عَدَمِ انْحِصَارِ هَذَا النَّوْعِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَدْ أَنْهَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ صُورَةً بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا بَابٌ وَاسِعٌ جِدًّا لَا تَنْحَصِرُ أَفْرَادُ مَسَائِلِهِ وَمِنْهُ أَيْضًا الْحَجْرُ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي كَاتَبَهُ وَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ رُبَّمَا تَدْخُلُ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ وَأَصْلِهِ.

وَالْحَجْرِ الْغَرِيبِ وَالْحَجْرِ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَعَلَى السَّابِي لِلْحَرْبِيِّ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ دَيْنٌ وَالْحَجْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى السَّيِّدِ فِي نَفَقَةِ الْأَمَةِ لَا الْمُزَوَّجَةِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا بَدَلَهَا، وَدَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْحَمْلِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ، وَعَلَى السَّيِّدِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ سم مَعَ زِيَادَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّبَرُّعُ مِنْ الثُّلُثِ كَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ ح ل.

(قَوْلُهُ: فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ) أَيْ إذَا تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا فِيهِ خَطَرٌ كَالْقَرْضِ أَوْ تَبَرَّعَ وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ لَا يَصِحُّ لِبَقَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ ح ل وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْحَجْرَ فِيهِ شَرْعٌ لِلْأَمْرَيْنِ أَيْ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ وَلِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ نَوْعًا ثَالِثًا كَمَا قَالَهُ س ل (قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ (قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ بَعْضُهَا) وَهُوَ الْحَجْرُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَالرَّاهِنِ وَالْعَبْدِ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ وَيَأْتِي بَعْضُهَا وَهُوَ حَجْرُ الْمَرَضِ فِي الْفَرَائِضِ وَحَجْرُ الْمُرْتَدِّ فِي الرِّدَّةِ وَحَجْرُ الْمُكَاتَبِ فِي الْكِتَابَةِ وَمُرَادُهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الِاعْتِذَارُ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي الْمَتْنِ هُنَا مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ ذِكْرُهَا هُنَا.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَجْرُ بِجُنُونٍ إلَخْ) وَالْحَجْرُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ، وَلِبَعْضِهِمْ:

ثَمَانِيَةٌ لَا يَشْمَلُ الْحَجْرُ غَيْرَهُمْ ... تَضَمَّنَهَا بَيْتٌ وَفِيهِ مَحَاسِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>