أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ. وَمَنْ عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ انْتَهَى وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرْت بِالْأَوَّلِ
، وَبُلُوغٌ يَحْصُلُ إمَّا (بِكَمَالِ خَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةً) قَمَرِيَّةً تَحْدِيدِيَّةً لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عَرَضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت وَعَرَضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ (أَوْ إمْنَاءٍ) لِآيَةِ {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: ٥٩] وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقِظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَإِمْكَانُهُ) أَيْ وَقْتَ إمْكَانِ الْإِمْنَاءِ (كَمَالُ تِسْعِ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقْرِيبِيَّةٌ كَمَا فِي الْحَيْضِ (أَوْ حَيْضٍ) فِي حَقِّ أُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ (وَحَبَلِ أُنْثَى أَمَارَةٌ) أَيْ عَلَامَةٌ عَلَى بُلُوغِهَا بِالْإِمْنَاءِ فَلَيْسَ بُلُوغًا؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِنْزَالِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ) أَيْ الِانْفِكَاكَ الْكُلِّيَّ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ أَيْ بِالْبُلُوغِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِالرُّشْدِ أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا أَيْ أَرَادَ زَوَالَ حَجْرِ الصِّبَا وَلَوْ خَلَفَهُ حَجْرٌ آخَرُ بِسَبَبِ السَّفَهِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ يَصِحُّ مِنْهُ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ وَالصُّلْحُ عَنْ قِصَاصٍ عَلَيْهِ وَلَوْ بِزَائِدٍ عَلَى الدِّيَةِ وَالْعَفْوُ عَنْ قِصَاصٍ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ كَالنِّكَاحِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا) كَأَنَّ الْمَقَامُ لِلتَّفْرِيعِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْجِيهٌ لِقَوْلِهِ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ (قَوْلُهُ: فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ) أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَدْ يُقَالُ هُوَ سَفِيهٌ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَتَصَرُّفُهُ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ح ل (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ وَهَذَا أَوْلَى إلَخْ عَبَّرْت بِالْأَوَّلِ أَيْ إلَى بُلُوغٍ
(قَوْلُهُ: بِكَمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) وَقِيلَ بِأَوَّلِهَا. وَقِيلَ بِنِصْفِهَا سم (قَوْلُهُ: عَرَضْتُ) أَيْ فِيمَنْ عَرَضَ مِنْ الْجَيْشِ هَلْ يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ فَيُؤْذَنُ لَهُ أَوْ لَا فَيُمْنَعُ وَأُحُدٌ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ فَرْسَخٍ مِنْهَا وَبِهِ قَبْرُ هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ. اهـ. ع ن وب ر (قَوْلُهُ: يَوْمَ أُحُدٍ) أَيْ زَمَنَ غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا ق ل (قَوْلُهُ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً) أَيْ طَعَنْت فِيهَا شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَلَمْ يُجِزْنِي) أَيْ لَمْ يَأْذَنْ لِي فِي الْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ بُلُوغِي ع ش وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَعَ أَنَّ خُرُوجَ الصَّبِيِّ لِلْجِهَادِ جَائِزٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ فَانْظُرْ هَلْ عَدَمُ إذْنِهِ لَهُ لِعَدَمِ إذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؟ حَرِّرْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت) أَيْ لَمْ يَجِدْنِي وَهُوَ عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَنِي وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَرَآنِي إلَخْ (تَنْبِيهٌ)
الرُّشْدُ ضِدُّ الضَّلَالِ وَالسَّفَهُ لُغَةً الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ بِرُشْدِ الْوَلَدِ انْعَزَلَ عَنْ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ الرُّشْدُ بِهِ وَلَوْ أَنْكَرَ رُشْدَ الْوَلَدِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ بَلَغَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَنْعَزِلْ الْوَلِيُّ إلَّا إنْ عَلِمَ بِرُشْدِهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَلِيُّ فَبَانَ رُشْدُهُ فَالْقِيَاسُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ.
وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا رُشْدٍ وَسَفَهٍ قُدِّمَتْ النَّاقِلَةُ مِنْهُمَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) أَيْ اسْتَكْمَلْتُهَا؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَالْخَنْدَقِ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ م ر ع ش أَيْ فَبَيْنَهُمَا سَنَتَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ إمْنَاءٍ) ضَابِطُهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَوْ أَحَسَّ بِالْمَنِيِّ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَقَبَضَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَنِيٌّ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ لِاخْتِلَافِ الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْغُسْلِ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الظَّاهِرِ وَفِي الْبُلُوغِ عَلَى الْإِنْزَالِ قَالَهُ م ر وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ إنَّ ضَابِطَهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَكُونُ شَأْنُهُ إيجَابُ الْغُسْلِ لَوْ خَرَجَ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: مَا يَرَاهُ النَّائِمُ) أَيْ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ شَوْبَرِيٌّ وَقِيلَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا إلَخْ) فَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عَلَى كَلَامِ الشَّوْبَرِيِّ وَهَذَا عَكْسُ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ) أَيْ مِنْ طَرِيقَةِ الْمُعْتَادِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي الْغُسْلِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْبُلُوغُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي ثُبُوتِ إيلَادِهِ وَالْحُكْمِ بِبُلُوغِهِ شَرْحُ م ر اهـ وَالْفَرْضُ أَنَّ الصَّبِيَّ اسْتَكْمَلَ تِسْعَ سِنِينَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَ) قَدْرِ الْمُضَافِ لِأَجْلِ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ لَيْسَ عَيْنَ كَمَالِ التِّسْعِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْحَيْضِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ هُنَا وَتَقْرِيبِيَّةٌ فِي الْحَيْضِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَيْضَ ضُبِطَ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ فَالزَّمَنُ الَّذِي لَا يَسَعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ شَرْحُ م ر وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ الْحَيْضِ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ فِي خُصُومَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ إلَّا إنْ طَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتِلَةِ كَأَنْ كَانَ مِنْ الْغُزَاةِ أَوْ طَلَبَ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِلتُّهْمَةِ ح ل (قَوْلُهُ: أَوْ حَيْضٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى إمْنَاءٍ