للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن والخبر: أما القرآن فهو قوله تعالى:

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا «١» ، وتقرير الدليل: أن «العبد» اسم للجسد والروح، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بجميع الجسد والروح، ويدل عليه قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى «٢» ولا شك أن المراد هنا مجموع الروح والجسد، وأيضا: قال سبحانه وتعالى فى سورة الجن:

وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ «٣» ، والمراد: مجموع الروح والجسد وكذا هاهنا، انتهى.

واحتجوا أيضا: بظاهر قوله- صلى الله عليه وسلم-: «أسرى بى» لأن الأصل فى الأفعال أن تحمل على اليقظة حتى يدل دليل على خلافه. وبأن ذلك لو كان مناما لما كان فيه فتنة للضعفاء، ولا استبعده الأغبياء. وبأن الدواب لا تحمل الأرواح وإنما تحمل الأجسام، وقد تواترت الأخبار بأنه أسرى به على البراق.

فإن قلت: ما الحكمة فى كونه تعالى جعل الإسراء ليلا؟

أجيب: بأنه إنما جعله ليلا تمكينا للتخصيص بمقام المحبة، لأنه تعالى اتخذه- صلى الله عليه وسلم- حبيبا وخليلا، والليل أخص زمان للمحبين لجمعهما فيه، والخلوة بالحبيب متحققة بالليل «٤» . قال ابن المنير: ولعل تخصيص الإسراء بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم.

إذ الليل أخفى حالا من النهار، قال: ولعله لو عرج به نهارا لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب، ولم يحصل ما وقع من الفتنة على من شقى وجحد، انتهى.

وفى ذلك حكمة أخرى على طريقة أهل الإشارات، ذكرها العلامة ابن مرزوق، وهى: أنه قيل لأن الله تعالى لما محا آية الليل وجعل آية النهار


(١) سورة الإسراء: ١.
(٢) سورة الجن: ٩، ١٠.
(٣) سورة الجن: ١٩.
(٤) قلت: أرى أن علة ابن المنير، أولى بالترجيح.