وقد وقع من موسى- عليه السّلام- من العناية بهذه الأمة فى أمر الصلاة ما لم يقع لغيره، ووقعت الإشارة لذلك فى حديث أبى هريرة عند الطبرانى والبزار، قال- صلى الله عليه وسلم-: «كان موسى أشدهم على حين مررت، وخيرهم لى حين رجعت» . وفى حديث أبى سعيد: فأقبلت راجعا فمررت بموسى، ونعم الصاحب كان لكم، فسألنى كم فرض عليك ربك؟ الحديث.
قال السهيلى: وأما اعتناء موسى- عليه السّلام- بهذه الأمة، وإلحاحه على نبيها أن يشفع لها ويسأل التخفيف عنها، فكقوله- والله أعلم- حين قضى إليه الأمر بجانب الغربى، ورأى صفات أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- فى الألواح، وجعل يقول: إنى أجد فى الألواح أمة صفتهم كذا، اللهم اجعلهم أمتى، فيقال له: تلك أمة أحمد، وهو حديث مشهور وقد تقدم ذكره فى خصائص هذه الأمة. قال: فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بأمرهم كما يعتنى بالقوم من هو منهم لقوله اللهم اجعلنى منهم انتهى.
وقال القرطبى: الحكمة فى أمر موسى بمراجعة النبى- صلى الله عليه وسلم- فى أمر الصلوات يحتمل أن تكون لكون أمة موسى- عليه السّلام- كلفت من الصلوات ما لم يكلف به غيرها من الأمم قبلها، فثقلت عليهم، فأشفق موسى على أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، ويشير إليه قوله: إنى جربت الناس قبلك.
انتهى.
ووقع فى كلام بعض أهل الإشارات: لما تمكنت نار المحبة من قلب موسى أضاءت له أنوار نور الطور، فأسرع إليها ليقتبس فاحتبس، فلما نودى من النادى، اشتاق إلى المنادى، فكان يطوف فى بنى إسرائيل: من يحملنى رسالة إلى ربى، ومراده أن تطول المناجاة مع الحبيب، فلما مر علينا نبينا- صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، ردده فى أمر الصلوات ليسعد برؤية حبيب الحبيب.
وقال آخر: لما سأل موسى- عليه السّلام- الرؤية، ولم تحصل له البغية، بقى الشوق يقلقه، والأمل يعلله، فلما تحقق أن سيدنا محمدا الحبيب منح الرؤية، وفتح له باب المزية، أكثر السؤال ليسعد برؤية من قد رأى. كما قيل: