وتعقبه ابن المنير فقال: هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح وغيرهم، وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة، أو منعه كالمعتزلة. لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ.
وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ، فهو مشكل عليهم جميعا. اه.
فإن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد قبل البلاغ إلى بعض الأمة فمسلّم، لكن قد يقال: ليس هو بالنسبة إليهم نسخا، لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- لأنه كلف بذلك قطعا، ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعله، فالمسألة صحيحة التصوير فى حقه- صلى الله عليه وسلم-.
ولما رجع- صلى الله عليه وسلم- من سفر الإسراء، مر فى طريقه بعير لقريش تحمل طعاما، فيها جمل يحمل غرارتين: غرارة سوداء وغرارة بيضاء، فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت وانصرع ذلك البعير.
وفى رواية: مر بعير قد أضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان. قال- صلى الله عليه وسلم-:
فسلمت عليهم فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتى مكة قبل الصبح وأخبر قومه بما رأى، وقال لهم: إن من آية ما أقول لكم أنى مررت بعيركم فى مكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان، وأن مسيرهم ينزلون بمكان كذا وكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى إذا كان قريب من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذى وصفه- صلى الله عليه وسلم-.
وفى رواية البيهقى: سألوه آية، أخبرهم بقدوم العير يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب، فدعا الله تعالى فحبس الشمس حتى قدموا كما وصف. وعن عائشة: لما أسرى بالنبى- صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا، وسعى رجال من المشركين إلى أبى بكر فقالوا: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس، قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال:
لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: تصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء قبل