يعلمه بهذا إلا بعد هذا. وقال آخر: إنما قاله- صلى الله عليه وسلم- عن طريق التواضع ونفى التكبر والعجب. قال القاضى عياض: وهذا لا يسلم من الاعتراض.
وقيل: لا يفضل بينهم تفضيلا يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغض منه.
وقيل: منع التفضيل فى حق النبوة والرسالة، فإن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- فيها على حد واحد، لا يتفاضل. وإنما التفاضل فى زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والرتب، وأما النبوة فى نفسها فلا تتفاضل، وإنما التفاضل بأمور أخر زائدة عليها، ولذلك منهم رسل وأولو عزم، انتهى، وهذا قريب من القول الثانى.
وقال ابن أبى جمرة فى حديث يونس: يريد بذلك نفى التكييف والتحديد على ما قاله ابن خطيب الرى، لأنه قد وجدت الفضيلة بينهما فى عالم الحس، لأن النبى- صلى الله عليه وسلم- أسرى به إلى فوق السبع الطباق، ويونس نزل به إلى قعر البحر، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة» وقال- صلى الله عليه وسلم-: «آدم ومن دونه تحت لوائى» وقد اختص- صلى الله عليه وسلم- بالشفاعة الكبرى التى لم تكن لغيره من الأنبياء- عليهم السلام-. فهذه الفضيلة وجدت بالضرورة، فلم يبق أن يكون قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تفضلونى على يونس بن متى» إلا بالنسبة إلى القرب من الله سبحانه وتعالى والبعد، فمحمد- صلوات الله وسلامه عليه- وإن أسرى به لفوق السبع الطباق واخترق الحجب، ويونس- عليه الصلاة والسلام- وإن نزل به لقعر البحر فهما بالنسبة إلى القرب والبعد من الله سبحانه وتعالى على حد واحد. انتهى. وهو مروى عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس وعزى نحوه لإمام الحرمين.
وقال ابن المنير: إن قلت إن لم يفضل على يونس باعتبار استواء الجهتين بالنسبة إلى وجود الحق تعالى، فقد فضله باعتبار تفاوت الجهتين فى تفضيل الحق فإنه تعالى فضل الملأ الأعلى على الحضيض الأدنى، فكيف لا يفضله- عليه الصلاة والسلام- على يونس، فإن لم يكن التفضيل بالمكان فهو بالمكانة بلا إشكال. ثم قال: قلت لم ينه عن مطلق التفضيل، وإنما نهى عن تفضيل