للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعها: أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة، وفى ذلك الوقت كان- صلى الله عليه وسلم- مقهورا مع أعدائه، فكأنه تعالى قال: لا تظن أنك تبقى على هذه الحالة، بل يعلو أمرك ويظهر قدرك، فإنا ما أنزلنا عليك القرآن لتبقى شقيّا، بل تصير معظما مكرما، زاده الله تعالى تعظيما وتكريما وتشريفا.

وقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ «١» السورة. قال الإمام فخر الدين ابن الخطيب: فى هذه السورة كثير من الفوائد، منها: أنها كالتتمة لما قبلها من السور، وذلك لأن الله تعالى جعل سورة (والضحى) فى مدح نبينا- صلى الله عليه وسلم-، وتفصيل أحواله، فذكر فى أولها ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته وهى قوله: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى «٢» ثم ختمها كذلك بأحوال ثلاثة فيما يتعلق بالدنيا، وهى قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا «٣» أى عن علم الحكم والأحكام فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى «٤» . ثم ذكر فى سورة أَلَمْ نَشْرَحْ «٥» أنه تعالى شرفه- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشياء وهى أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أى: ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق، وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ «٦» . أى عناءك الثقيل الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ وهكذا سورة سورة، حتى قال: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ «٧» أى أعطيناك هذه المناقب المتكاثرة التى كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها. وإذ أنعمنا عليك بهذه النعم فاشتغل بطاعتنا ولا تبال بقولهم. ثم إن الاشتغال بالعبادة إما أن يكون بالنفس وهو قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ، وإما بالمال وهو قوله: وَانْحَرْ «٨» .


(١) سورة الكوثر: ١.
(٢) سورة الضحى: ٣- ٥.
(٣) سورة الضحى: ٦، ٧.
(٤) سورة الضحى: ٧، ٨.
(٥) سورة الشرح: ١.
(٦) سورة الشرح: ٢.
(٧) سورة الكوثر: ١.
(٨) سورة الكوثر: ٢.