للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأمل قوله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ «١» كيف ذكر بلفظ الماضى، ولم يقل:

سنعطيك، ليدل على أن هذا الإعطاء حصل فى الزمان الماضى، قال- صلى الله عليه وسلم-: «كنت نبيّا وآدم بين الروح والجسد» «٢» ولا شك أن من كان فى الزمان الماضى عزيزا مرعى الجانب أشرف ممن سيصير كذلك، كأنه تعالى يقول: يا محمد قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك فى هذا الوجود، فكيف أمرك بعد وجودك واشتغالك بعبوديتنا يا أيها العبد الكريم، إنا لم نعطك هذا الفضل العميم لأجل طاعتك، وإنما اخترناك بمجرد فضلنا وإحساسنا من غير موجب. واختلف المفسرون فى تفسير (الكوثر) على وجوه:

منها: أنه نهر فى الجنة، وهذا هو المشهور والمستفيض عند السلف والخلف، فروى أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (بينا أنا أسير فى الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذى أعطاك ربك، فإذا طينه مسك أذفر) «٣» رواه البخارى.

وقيل: الكوثر أولاده، لأن هذه السورة إنما نزلت ردّا على من عابه- صلى الله عليه وسلم- بعدم الأولاد، وعلى هذا فالمعنى: أنه يعطيه نسلا يبقون على ممر الزمان. فانظر كم قتل من أهل البيت، ثم العالم ممتلئ منهم، ولم يتفق ذلك لنبى من الأنبياء غيره. وقيل: الكوثر الخير الكثير. وقيل: النبوة، وهى الخير الكثير. وقيل: علماء أمته، وقيل الإسلام، ولا ريب أنهما من الخير الكثير، فالعلماء ورثة الأنبياء «٤» ، كما رواه أحمد وأبو داود والترمذى، وأما «علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل» «٥» فقال الحافظ ابن حجر، ومن قبله


(١) سورة الكوثر: ١.
(٢) صحيح: وقد تقدم.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٦٥٨١) فى الرقاق، باب: فى الحوض.
(٤) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٦٤١) فى العلم، باب: الحث على طلب العلم، والدارمى فى «سننه» (٣٤٢) ، من حديث أبى الدرداء- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (٦٢٩٧) .
(٥) لا أصل له: انظر «كشف الخفاء» للعجلونى (١٧٤٤) .