وفيه: أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو فى النار، وليس فى هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء.
وقال الإمام فخر الدين: من مات مشركا فهو فى النار، وإن مات قبل البعثة، لأن المشركين كانوا قد غيروا الحنيفية دين إبراهيم، واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه، وليس معهم حجة من الله به، ولم يزل معلوما من دين الرسل كلهم، من أولهم إلى آخرهم، قبح الشرك والوعيد عليه فى النار، وأخبار عقوبات الله لأهله متداولة بين الأمم قرنا بعد قرن، فلله الحجة البالغة على المشركين، فى كل وقت وحين، ولو لم يكن إلا ما فطر الله عباده عليه من توحيد ربوبيته، وأنه يستحيل فى كل فطرة وعقل أن يكون معه إله آخر، وإن كان سبحانه لا يعذب بمقتضى هذه الفطرة وحدها، فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد فى الأرض معلومة لأهلها، فالمشرك مستحق للعذاب فى النار لمخالفته دعوة الرسل، وهو مخلد فيها دائما كخلود أهل الجنة فى الجنة.
انتهى.
وقد تعقب العلامة أبو عبد الله الأبى من المالكية فيما وضعه على صحيح مسلم قول النووى الماضى وفيه «أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فى النار، إلى آخره» بما معناه:
تأمل ما فى كلامه من التنافى، فإن من بلغتهم الدعوة ليسوا بأهل فترة، لأن أهل الفترة هم: الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول، ولا أدركوا الثانى، كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبى- صلى الله عليه وسلم-. والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين، كالفترة بين نوح وهود، لكن الفقهاء إذا تكلموا فى الفترة فإنهم يعنون التى بين عيسى ونبينا- عليهما الصلاة والسلام-. وذكر البخارى عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة.