للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما دلت القواطع على ألاتعذيب حتى تقوم الحجة أى قوله تعالى:

وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا «١» ، علمنا أنهم غير معذبين، فإن قلت قد صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة، كحديث «رأيت عمرو بن لحى يجر قصبه فى النار» «٢» و «رأيت صاحب المحجن فى النار، وهو الذى يسرق الحاج بمحجنه، فإذا بصر به، قال: إنما تعلق بمحجنى» «٣» .

أجيب بأجوبة:

* أحدها: أنها أخبار آحاد فلا تعارض القطع.

* الثانى: قصر التعذيب على هؤلاء، والله أعلم بالسبب.

* الثالث: قصر التعذيب المذكور فى هذه الأحاديث على من بدل وغير من أهل الفترة، بما لا يعذر به من الضلال كعبادة الأوثان وتغيير الشرائع. فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام:

* الأول: من أدرك التوحيد ببصيرته، ثم من هؤلاء من لم يدخل فى شريعة، كقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل. ومنهم من دخل فى شريعة حق قائمة الرسم، كتبع «٤» وقومه من حمير وأهل نجران، وورقة بن نوفل، وعمه عثمان بن الحويرث.

* القسم الثانى من أهل الفترة: وهم من بدل وغير، فأشرك ولم يوحد، وشرع لنفسه فحلل وحرم، وهم الأكثر، كعمرو بن لحى، أول من سن للعرب عبادة الأصنام وشرع الأحكام، فبحر البحيرة، وسيب السائبة،


(١) سورة الإسراء: ١٥.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٣٥٢١) فى المناقب، باب: قصة خزاعة، ومسلم (٢٨٥٦) فى الجنة، باب: النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه-.
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٩٠٤) فى الكسوف، باب: ما عرض على النبى- صلى الله عليه وسلم- فى صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، من حديث جابر- رضى الله عنه-.
(٤) هو: تبع بن حسان بن تبان، قيل: اسمه مرثد، وهو أحد ملوك حمير فى اليمن.