للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النعم الدنيوية، شيئان: دينية، وأشار إليها بقوله: وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً «١» ، ودنيوية، وهى قوله: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً «٢» ، فانتظم بذلك تعظيم قدر النبى- صلى الله عليه وسلم- بإتمام أنواع نعم الله تعالى عليه المتفرقة فى غيره، ولهذا جعل ذلك غاية للفتح المبين الذى عظمه وفخمه بإسناده إليه بنون العظمة «٣» ، وجعله خاصّا بالنبى- صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لك) وقد سبق إلى نحو هذا ابن عطية فقال؛ وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم، ولم تكن ذنوب ألبتة.

ثم قال: وعلى تقدير الجواز لا شك ولا ارتياب أنه لم يقع منه- صلى الله عليه وسلم-، وكيف يتخيل خلاف ذلك وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «٤» . وأما الفعل: فإجماع الصحابة على اتباعه والتأسى به فى كل ما يفعله من قليل أو كثير، أو صغير أو كبير لم يكن عندهم فى ذلك توقف ولا بحث، حتى أعماله فى السر والخلوة يحرصون على العلم بها وعلى اتباعها، علم بهم أو لم يعلم، ومن تأمل أحوال الصحابة معه- صلى الله عليه وسلم- استحيى من الله أن يخطر بباله خلاف ذلك، انتهى.

وأما قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ «٥» . فلا مرية أنه- صلى الله عليه وسلم- أتقى الخلق، والأمر بالشىء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به، إذ لا يصلح أن يقال للجالس اجلس، ولا للساكت اسكت، ولا يجوز عليه أن لا يبلغ، ولا أن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك، ولا أن يطيع الكافرين والمنافقين، حاشاه الله من ذلك، وإنما أمره الله تعالى بتقوى توجب استدامة الحضور.

وأجاب بعضهم عن هذا أيضا بأنه- صلى الله عليه وسلم- كان يزداد علمه بالله تعالى، ومرتبته، حتى كان حاله- صلى الله عليه وسلم- فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه ترك للأفضل، فكان له فى كل ساعة تقوى تتجدد.


(١) سورة الفتح: ٢.
(٢) سورة الفتح: ٣.
(٣) يشير إلى قول الله عز وجل: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً سورة الفتح: ١.
(٤) سورة النجم: ٣، ٤.
(٥) سورة الأحزاب: ١.