للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: المراد دم على التقوى. فإنه يصح أن يقال للجالس: اجلس هاهنا إلى أن آتيك، وللساكت: قد أصبت فاسكت تسلم، أى دم على ما أنت عليه. وقيل: الخطاب مع النبى- صلى الله عليه وسلم- والمراد أمته، ويدل عليه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً «١» ، ولم يقل بما تعمل.

وأما قوله تعالى: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ «٢» . فاعلم أنه تعالى لما ذكر ما عليه الكفار فى أمره- صلى الله عليه وسلم-، ونسبته إلى ما نسبوه إليه، مع ما أنعم الله به عليه من الكمال فى أمر الدين والخلق العظيم، أتبعه بما يقوى قلبه ويدعوه إلى التشديد مع قومه، وقوى قلبه بذلك مع قلة العدد وكثرة الكفار، فإن هذه السورة من أوائل ما نزل فقال: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ «٣» والمراد رؤساء الكفار من أهل مكة، وذلك أنهم دعوه إلى دينهم، فنهاه الله أن يطيعهم، وهذا من الله تهييج للتشديد فى مخالفتهم.

وأما قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ «٤» ، الآية فاعلم أن المفسرين اختلفوا فيمن المخاطب بهذا:

فقال قوم المخاطب به النبى- صلى الله عليه وسلم-، وقال آخرون: المخاطب به غيره. فأما من قال بالأول فاختلفوا على وجوه:

الأول: أن الخطاب مع النبى- صلى الله عليه وسلم- فى الظاهر والمراد غيره، كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ «٥» وكقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «٦» ، وكقوله لعيسى ابن مريم- عليهما السلام-: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ «٧» ومثل هذا معتاد، فإن السلطان إذا كان


(١) سورة الأحزاب: ٢.
(٢) سورة القلم: ٨.
(٣) سورة القلم: ٨.
(٤) سورة يونس: ٩٤.
(٥) سورة الطلاق: ١.
(٦) سورة الزمر: ٦٥.
(٧) سورة المائدة: ١١٦.