للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشرك والنبى- صلى الله عليه وسلم- لا يجوز عليه هذا، والله تعالى ينهاه عما يشاء ويأمره بما يشاء، كما قال تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «١» الآية، وما طردهم- صلى الله عليه وسلم- وما كان من الظالمين.

وأما قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «٢» . فليس بمعنى قوله وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ «٣» ، وإنما المعنى: لمن الغافلين عن قصة يوسف، إذ لم تخطر ببالك، ولم تقرع سمعك قط، فلم تعلمها إلا بوحينا.

وأما قوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ»

الآية. فمعناه: يستخفّك غضب يحملك على ترك الإعراض عنهم.

والنزغ: أدنى حركة تكون، كما قاله الزجاج. فأمره الله تعالى أنه متى تحرك عليه غضب على عدوه، أو رام الشيطان من إغرائه به وخواطر أدنى وساوسه ما لم يجعل له سبيل إليه أن يستعيذ به تعالى منه، فيكفى أمره، ويكون سبب تمام عصمته، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له، ولم يجعل له قدرة عليه. وكذلك لا يصح أن يتصور له الشيطان فى صورة الملك ويلبس عليه، لا فى أول الرسالة ولا بعدها [والاعتماد فى ذلك دليل المعجزة] «٥» بل لا يشك النبى أن ما يأتيه من الله هو الملك ورسوله حقيقة إما بعلم ضرورى يخلقه الله له أو ببرهان يظهر لديه كما قدمته فى المقصد الأول عند البعثة، لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته.

وأما قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ «٦» الآية. فأحسن ما قيل فيها ما عليه جمهور المفسرين:

أن التمنى المراد به هنا: التلاوة، وإلقاء الشيطان فيها إشغاله بخواطر وأذكار


(١) سورة الأنعام: ٥٢.
(٢) سورة يوسف: ٣.
(٣) سورة يونس: ٧.
(٤) سورة الأعراف: ٢٠٠.
(٥) زيادة من المصدر المنقول عنه، انظر «الشفا» للقاضى عياض (٢/ ١٢٠) .
(٦) سورة الحج: ٥٢.