للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أمور الدنيا للتالى حتى يدخل عليه الوهم والنسيان فيما تلاه، أو يدخل غير ذلك على أفهام السامعين من التحريف وسوء التأويل ما يزيله الله وينسخه ويكشف لبسه ويحكم آياته. قاله القاضى عياض، وقد تقدم فى المقصد الأول مزيد لذلك.

قال فى الشفاء: وأما قوله- صلى الله عليه وسلم- حين نام عن الصلاة يوم الوادى:

«إن هذا واد به شيطان» «١» فليس فيه ذكر تسلطه عليه ولا وسوسته له، بل إن كان بمقتضى ظاهره فقد بين أمر ذلك الشيطان بقوله: إن الشيطان أتى بلالا، فلم يزل يهدّيه كما يهدى الصبى حتى نام، فاعلم أن تسلط الشيطان فى ذلك الوادى إنما كان على بلال الموكل بكلاءة الفجر، هذا إن جعلنا قوله «إن هذا واد به شيطان» تنبيها على سبب النوم عن الصلاة، وأما إن جعلناه تنبيها على سبب الرحيل عن الوادى وعلة لترك الصلاة به، وهو دليل مساق حديث زيد ابن أسلم فلا اعتراض به فى هذا الباب، لبيانه وارتفاع إشكاله.

قال عياض: وأما قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى «٢» الآية، فليس فيها إثبات ذنب له- صلى الله عليه وسلم-. بل إعلام الله له أن ذلك المتصدى له من لا يتزكى، وأن الصواب والأولى كان لو كشف له حال الرجلين لاختار الإقبال على الأعمى وفعل النبى- صلى الله عليه وسلم- لما فعل وتصديه لذلك الكافر كان طاعة لله، وتبليغا عنه، واستئلافا له، كما شرعه الله [له] لا معصية ولا مخالفة له، وما قصه الله عليه من ذلك إعلام بحال الرجلين، وتوهين أمر الكافر عنده، والإشارة إلى الإعراض عنه بقوله: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى «٣» أى ليس عليك بأس فى أن لا يتزكى بالإسلام، أى لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم أن تعرض عمن أسلم بالاشتغال بدعوتهم، إن عليك إلا البلاغ.

وقد كان ابن أم مكتوم يستحق التأديب والزجر، لأنه- وإن فقد بصره-


(١) صحيح: وقد تقدم.
(٢) سورة عبس: ١، ٢.
(٣) سورة عبس: ٧.