للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يسمع مخاطبة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لأولئك الكفار، وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمامه- صلى الله عليه وسلم- بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلامه- صلى الله عليه وسلم- إيذاء له- صلى الله عليه وسلم- وذلك معصية عظيمة. فثبت أن فعل ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية، وأن الذى فعله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان هو الواجب المتعين. وقد كان- صلى الله عليه وسلم- مأذونا له فى تأديب أصحابه، ولكن ابن أم مكتوم بسبب عماه استحق مزيد الرفق به.

وأما قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «١» الآية. فروى ابن أبى حاتم عن مسعر عن عون قال: هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة، وكذا قال مورق العجلى وغيره. وقال قتادة: عاتبه الله كما تسمعون ثم أنزل التى فى سورة النور، فرخص له فى أن يأذن لهم إن شاء فقال: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ «٢» ففوض الأمر إلى رأيه- صلى الله عليه وسلم-.

وقال عمرو بن ميمون: اثنتان فعلهما الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يؤمر فيهما بشىء: إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من الأسرى، فعاتبه الله كما تسمعون.

وأما قول بعضهم إن هذه الآية تدل على أنه وقع من الرسول ذنب لأنه تعالى قال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «٣» والعفو يستدعى سالفة ذنب، وقوله الآخر: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «٤» استفهام بمعنى الإنكار، فاعلم: أنا لا نسلم أن قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ «٥» يوجب ذنبا، ولم لا يقال إن ذلك يدل على مبالغة الله تعالى فى توقيره وتعظيمه، كما يقول الرجل لغيره إذا كان عظيما عنده: عفا الله عنك، ما صنعت فى أمرى ورضى الله عنك ما جوابك عن كلامى، وعافاك الله ألا عرفت حقى، فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا


(١) سورة التوبة: ٤٣.
(٢) سورة النور: ٦٢.
(٣) سورة التوبة: ٤٣.
(٤) سورة التوبة: ٤٣.
(٥) سورة التوبة: ٤٣.