للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زيادة التبجيل والتعظيم، وليس (عفا) هنا بمعنى: غفر، بل كما قال- صلى الله عليه وسلم-:

«عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق» «١» ولم تجب عليهم قط، أى لم يلزمكم ذلك. ونحوه للقشيرى قال: وإنما يقول العفو لا يكون إلا عن ذنب من لا يعرف كلام العرب، قال: ومعنى عفا الله عنك أى لم يلزمك ذنبا.

وأما الجواب عن الثانى فيقال: إما أن يكون صدر من الرسول- صلى الله عليه وسلم- ذنب أم لا؟ فإن قلنا: لا، امتنع على هذا التقدير أن يكون قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «٢» إنكارا عليه، وإن قلنا إنه قد صدر عنه ذنب- وحاشاه الله من ذلك- فقوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ «٣» يدل على حصول العفو، وبعد العفو يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه، فثبت أنه على جميع التقادير يمتنع أن يقال:

إن قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «٤» يدل على كون الرسول مذنبا، وهذا جواب كاف شاف قاطع، وعند هذا يحمل قوله لم أذنت لهم على ترك الأولى والأكمل. بل لم يعد هذا أهل العلم معاتبة، وغلطوا من ذهب إلى ذلك.

قال نفطويه: ذهب ناس إلى أن النبى- صلى الله عليه وسلم- معاتب بهذه الآية، وحاشاه الله من ذلك، بل كان مخيرا، فلما أذن لهم أعلمه الله أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا لنفاقهم، وأنه لا حرج عليه فى الإذن.

وأما قوله تعالى فى أسارى بدر: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ إلى قوله:

عَظِيمٌ «٥» . فروى مسلم من إفراده من حديث عمر بن الخطاب قال: لما


(١) صحيح: والحديث أخرجه أبو داود (١٥٧٤) فى الزكاة، باب: فى زكاة السائحة، والترمذى (٦٢٠) فى الزكاة، باب: ما جاء فى زكاة الذهب والورق، وابن ماجه (١٧٩٠) فى الزكاة، باب: زكاة الورق والذهب، والدارمى فى «سننه» (١٦٢٩) ، وأحمد فى «المسند» (١/ ٩٢ و ١٣٢ و ١٤٥ و ١٤٦) ، من حديث على- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
(٢) سورة التوبة: ٤٣.
(٣) سورة التوبة: ٤٣.
(٤) سورة التوبة: ٤٣.
(٥) سورة الأنفال: ٦٧، ٦٨.