للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هزم الله المشركين يوم بدر، وقتل منهم سبعون وأسر سبعون، استشار النبى- صلى الله عليه وسلم- أبا بكر وعمر وعليّا، فقال أبو بكر: يا نبى الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإنى أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهداهم الله فيكونوا لنا عضدا. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قال: قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكنى أرى أن تمكننى من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه يعلم الله أنه ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين، فهوى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وهما يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرنى ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت، فقال النبى- صلى الله عليه وسلم-: «أبكى للذى عرض على أصحابك من الفداء، لقد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة، لشجرة قريبة فأنزل الله تعالى:

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى إلى قوله: عَظِيمٌ «١» » .

وقوله: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ «٢» : أى يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه، ويعز الإسلام ويستولى أهله. وليس فى هذا إلزام ذنب للنبى- صلى الله عليه وسلم-، بل فيه بيان ما خص به وفضّل من بين سائر الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- فكأنه قال: ما كان هذا لنبى غيرك. قال- صلى الله عليه وسلم-:

«أحلت لى الغنائم ولم تحل لنبى قبلى» «٣» . وأما قوله: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا «٤» فقيل المراد بالخطاب من أراد ذلك منهم وتجرد غرضه لعرض الدنيا وحده، والاستكثار منها، وليس المراد بهذا النبى- صلى الله عليه وسلم- ولا علية أصحابه.


(١) سورة الأنفال: ٦٧، ٦٨.
(٢) سورة الأنفال: ٦٧.
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٧٦٣) فى الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة فى غزوة بدر، من حديث عمر- رضى الله عنه-.
(٤) سورة الأنفال: ٦٧.