للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل قد روى عن الضحاك أنها نزلت حين انهزم المشركون يوم بدر واشتغل الناس بالسلب وجمع الغنائم عن القتال حتى خشى عمر أن يعطف عليهم العدو.

ثم قال تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ «١» فاختلف المفسرون فى معنى هذه الآية: فقيل معناها لولا أنه سبق منى أن لا أعذب أحدا إلا بعد النهى لعذبتكم، فهذا ينفى أن يكون أمر الأسرى معصية. وقيل: لولا إيمانكم بالقرآن، وهو الكتاب السابق، فاستوجبتم به الصفح لعقوبتم على الغنائم.

وقيل: لولا أنه سبق فى اللوح المحفوظ أنها حلال لكم لعقوبتم. وهذا كله ينفى الذنب والمعصية، لأن من فعل ما أحل له لم يعص، قال الله تعالى:

فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً «٢» .

وقيل: بل كان- صلى الله عليه وسلم- قد خير فى ذلك، وقد روى عن على قال: جاء جبريل- عليه السّلام- إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر فقال: «خير أصحابك فى الأسارى إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يقتل منهم فى العام المقبل مثلهم فقالوا الفداء ويقتل منا» «٣» وهذا دليل على أنهم لم يفعلوا إلا ما أذن لهم فيه. لكن بعضهم مال إلى أضعف الوجهين مما كان الأصلح غيره من الإثخان والقتل فعوتبوا على ذلك وبين لهم ضعف اختيارهم وتصويب اختيار غيرهم، وكلهم غير عصاة ولا مذنبين.

قال القاضى بكر بن العلاء: أخبر الله تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- فى هذه الآية أن تأويله وافق ما كتب له من إحلال الغنائم والفداء، وقد كان قبل هذا فادى فى سرية عبد الله بن جحش التى قتل فيها ابن الحضرمى بالحكم بن كيسان


(١) سورة الأنفال: ٦٨.
(٢) سورة الأنفال: ٦٩.
(٣) صحيح: أخرجه الترمذى (١٥٦٧) فى السير، باب: ما جاء فى قتل الأسارى والفداء، وابن حبان فى «صحيحه» (٤٧٩٥) ، من حديث على- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .