للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصاحبه، فما عتب الله ذلك عليهم، وذلك قبل بدر بأزيد من عام، فهذا كله يدل على أن فعل النبى- صلى الله عليه وسلم- فى شأن الأسارى كان على تأويل وبصيرة على ما تقدم قبل ذلك مثله فلم ينكره الله عليه. لكن الله تعالى أراد لعظم أمر بدر وكثرة أسرارها- والله تعالى أعلم- إظهار نعمته وتأكيد منته بتعريفهم ما كتبه فى اللوح المحفوظ من حل ذلك لا على وجه عتاب أو إنكار أو تذنيب قاله القاضى عياض «١» .

وأما قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ «٢» الآية.

فالمعنى: لولا أن ثبتناك لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم، لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب فضلا عن أن تركن إليهم. وهو صريح فى أنه- صلى الله عليه وسلم- ما همّ بإجابتهم مع قوة الدواعى إليها، فالعصمة بتوفيق الله وحفظه، ولو قاربت لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، أى ضعف ما يعذب به فى الدارين بمثل هذا الفعل غيرك، لأن خطأ الخطير أخطر، وقد أعاذه الله من الركون إلى أعدائه بذرة من قلبه. ومما يعزى للحريرى مما يؤيد ذلك قوله:

أنحوى هذا العصر ما هى لفظة ... جرت فى لسانى جرهم وثمود

إذا استعملت فى صورة الجحد أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود

وفسر الأول وهو النفى المثبت بنحو فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ «٣» والثانى وهو الثبوت المنفى بنحو قوله تعالى: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ قالوا: وهو- صلى الله عليه وسلم- ثبت قلبه ولم يركن.

وأما قوله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ


(١) فى «الشفا» له (٢/ ١٥٩) .
(٢) سورة الإسراء: ٧٤، ٧٥.
(٣) سورة البقرة: ٧١.