للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتراضى، من غير ثبوت خيار، وقالوا: والله لا نقيلك ولا نستقيلك، فلما تم العقد وسلموا المبيع قيل لهم؛ قد صارت نفوسكم وأموالكم لنا، رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعافها معها وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «١» .

ومن علامات محبته- صلى الله عليه وسلم- التسلى عن المصائب، فإن المحب يجد فى هذه المحبة ما ينسيه المصائب، ولا يجد فى مسها ما يجد غيره، حتى كأنه قد اكتسى طبيعة ثانية ليست طبيعة الخلق، بل يقوى سلطان المحبة حتى يلتذ بكثير من المصائب أعظم من التذاذ الخلى بحظوظه وشهواته، والذوق والوجود شاهد بذلك. فكرب المحبة موجود ممزوج بالحلاوة فإن فقد تلك الحلاوة اشتاق إلى ذلك الكرب كما قيل:

تشكى المحبون الصبابة ليتنى ... نحلت بما يلقون من بينهم وحدى

فكانت لقلبى لذة الحب كلها ... فلم يلقها قبلى محب ولا بعدى

ومن علامات محبته- صلى الله عليه وسلم- كثرة ذكره، فمن أحب شيئا أكثر من ذكره. ولبعضهم: المحبة دوام الذكر للمحبوب، ولآخر: ذكر المحبوب على عدد الأنفاس. ولغيره: للمحب ثلاث علامات: أن يكون كلامه ذكر المحبوب، وصمته فكرا فيه، وعمله طاعة له. وقال المحاسبى: علامة المحبين كثرة الذكر للمحبوب على طريق الدوام، لا ينقطعون ولا يملون ولا يفترون، وقد أجمع الحكماء على أن من أحب شيئا أكثر من ذكره، فذكر المحبوب هو الغالب على قلوب المحبين لا يريدون به بدلا ولا يبغون عنه حولا، ولو قطعوا عن ذكر محبوبهم لفسد عيشهم، وما تلذذ المتلذذون بشىء ألذ من ذكر المحبوب. انتهى.

فالمحبون قد اشتغلت قلوبهم بلزوم ذكر المحبوب عن اللذات، وانقطعت أوهامهم عن عارض دواعى الشهوات، ورقت إلى معادن الذخائر وبغية


(١) سورة آل عمران: ١٦٩، ١٧٠.