ومن علامات محبته- صلى الله عليه وسلم- تعظيمه عند ذكره، وإظهار الخشوع والخضوع والانكسار مع سماع اسمه، فكل من أحب شيئا خضع له، كما كان كثير من الصحابة بعده إذا ذكروه خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا، وكذلك كان كثير من التابعين فمن بعدهم يفعلون ذلك محبة وشوقا وتهيبا وتوقيرا. قال أبو إبراهيم التجيبى. واجب على كل مؤمن متى ذكره، أو ذكر عنده، أن يخضع ويخشع ويتوقر ويسكن من حركته، ويأخذ فى هيبته وإجلاله، بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ويتأدب بما أدبنا الله به.
وكان أيوب السختيانى إذا ذكر النبى- صلى الله عليه وسلم- بكى حتى نرحمه. وكان جعفر بن محمد كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر النبى- صلى الله عليه وسلم- اصفر لونه.
وكان عبد الرحمن بن القاسم إذا ذكر النبى- صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى لونه كأنه قد نزف منه الدم، وقد جف لسانه فى فمه هيبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وكان عبد الله بن الزبير إذا ذكر عنده النبى- صلى الله عليه وسلم- بكى حتى لا يبقى فى عينيه دموع.
وكان الزهرى من أهنأ الناس وأقربهم، فإذا ذكر عنده النبى- صلى الله عليه وسلم- فكأنك ما عرفته ولا عرفك. وكان صفوان بن سليم من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر عنده النبى- صلى الله عليه وسلم- بكى، فلا يزال يبكى حتى يقوم الناس عنه ويتركوه.
وكان قتادة إذا سمع الحديث، أخذه البكاء والعويل والزويل. أشار إلى ذلك القاضى عياض. ومن علامات محبته- صلى الله عليه وسلم- كثرة الشوق إلى لقائه، إذ كل حبيب يحب لقاء حبيبه. ولبعضهم: المحبة الشوق إلى المحبوب، وعن معروف الكرخى: المحبة ارتياح الذات لمشاهدة الصفات، أو مشاهدة أسرار الصفات، فيرى بلوغ السؤل ولو بمشاهدة الرسول. ولهذا كانت الصحابة- رضى الله عنهم- إذا اشتد بهم الشوق وأزعجتهم لواعج المحبة قصدوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واشتفوا بمشاهدته، وتلذذوا بالجلوس معه والنظر إليه والتبرك به- صلى الله عليه وسلم-.
وعن عبدة بنت خالد بن معدان: ما كان خالد يأوى إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار