للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن كنت تزعم حبى ... فلم هجرت كتابى

أما تأملت ما في ... هـ من لذيذ خطابى

ويروى أن عثمان بن عفان قال: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله وكيف يشبع المحب من كلام محبوبه وهو غاية مطلوبه. قال النبى- صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن مسعود: «اقرأ على» قال: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟

فقال: «إنى أحب أن أسمعه من غيرى» . فاستفتح وقرأ سورة النساء حتى بلغ فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً «١» قال:

«حسبك» ، فرفع رأسه فإذا عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تذرفان من البكاء «٢» .

رواه البخارى.

وهذا يجده من سمع الكتاب العزيز بأذن قلبه، قال الله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ «٣» . قال صاحب «عوارف المعارف» - أذاقنا الله حلاوة مشربه-: هذا السماع هو السماع الحق، الذى لا يختلف فيه اثنان من أهل الإيمان، محكوم لصاحبه بالهداية، وهذا سماع ترد حرارته على برد اليقين، فتفيض العين بالدمع، لأنه تارة يثير حزنا، والحزن حار، وتارة يثير شوقا، والشوق حار، وتارة يورث ندما، والندم حار، فإذا أثار السماع هذه الصفات، من صاحب قلب مملوء ببرد اليقين بكى وأبكى، لأن الحرارة والبرودة إذا اضطربتا عصرتا ماء، فإذا ألمّ السماع بالقلب تارة يخف إلمامه فيظهر أثره فى الجسد ويقشعر منه الجلد، قال الله تعالى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ «٤» ، وتارة يعظم وقعه ويتصوب أثره- أى يقصد- نحو الدماغ فتندفق منه العين بالدمع،


(١) سورة النساء: ٤١.
(٢) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٤٥٨٢) فى التفسير، باب: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً، ومسلم (٨٠٠) فى صلاة المسافرين، باب: فضل استماع القرآن.
(٣) سورة المائدة: ٨٣.
(٤) سورة الزمر: ٢٣.