للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عطفه عليه، ولا شىء أشد للهيبه وحريقه من إعراضه عنه، ولهذا كان عذاب أهل النار باحتجاب ربهم عنهم أشد عليهم من العذاب الجسمانى، كما أن نعيم أهل الجنة برؤيته تعالى وسماع خطابه ورضاه وإقباله أعظم من النعيم الجسمانى، لا حرمنا الله ذوق حلاوة هذا المشرب.

ومن علامات محبته- صلى الله عليه وسلم- أن يلتذ محبه بذكره الشريف ويطرب عند سماع اسمه المنيف، وقد يوجب له ذلك سكرا يستغرق قلبه وروحه وسمعه.

وسبب هذا السكر اللذة القاهرة للعقل، وسبب اللذة إدراك المحبوب- صلى الله عليه وسلم-، فإذا كانت المحبة قوية وإدراك هذا المحبوب قويّا كانت اللذة بإدراكه تابعة لقوة هذين الأمرين. فإن كان العقل قويّا مستحكما لم يتغير لذلك، وإن كان ضعيفا حدث السكر المخرج له عن حكمه. وقد حدوا السكر بأنه: سقوط التمالك فى الطرب، كأنه يبقى فى السكران بقية يلتذ بها ويطرب، فلا يتمالك صاحبها، ولا يقدر أن يفنى معها.

وقد يكون سبب السكر قوة الفرح بإدراك المحبوب، بحيث يختلط كلامه وتتغير أفعاله، بحيث يزول عقله ويعربد أعظم من عربدة شارب الخمر. وربما قتله سكر هذا الفرح بسبب طبيعى، وهو انبساط دم القلب وهلة واحدة انبساطا غير معتاد، والدم هو حائل الحار الغريزى، فيبرد القلب بسبب انبساط الدم عنه فيحدث الموت.

ومن هذا قول سكران الفرح- بوجود راحلته فى المفازة بعد أن استشعر الموت-: اللهم أنت عبدى وأنا ربك أخطأ من شدة فرحه «١» ، وسكرة الفرح فوق سكرة الشراب فصور فى نفسك حال فقير معدم، عاشق للدنيا أشد العشق، ظفر بكنز عظيم، فاستولى عليه آمنا مطمئنا، كيف تكون سكرته؟ أو


(١) صحيح: والحديث أخرجه مسلم (٢٧٤٧) فى التوبة، باب: فى الحض على التوبة والفرح بها، من حديث أنس- رضى الله عنه-، إلا أن فى استخدام مصطلحات السكر شىء لا يستحب لارتباطه بالخمر التى حرمها الله عز وجل، والأولى استخدام ألفاظ أخرى تناسب مقام العبودية، والله الموفق إلى الصواب.