للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يلتفت إلى ما يظنه بعض المنتسبين إلى التصوف حيث قال: «القرب الحقيقى ينقل العبد من الأعمال الظاهرة إلى الأعمال الباطنة ويريح الجسد والجوارح من كد العمل» . زاعما بذلك سقوط التكليف عنه. وهؤلاء أعظم كفرا وإلحادا، حيث عطلوا العبودية وظنوا أنهم استغنوا عنها بما حصل لهم من الخيالات الباطلة، التى هى أمانى النفس وخدع الشيطان. فلو وصل العبد من القرب إلى أعلى مقام يناله العبد لما سقط عنه من التكليف مثقال ذرة ما دام قادرا عليه.

وقد اختلف العلماء: هل كان- صلى الله عليه وسلم- قبل بعثته متعبدا بشرع من قبله أم لا؟

فقال جماعة: لم يكن متعبدا بشئ، وهو قول الجمهور، واحتجوا بأنه لو كان كذلك لنقل، ولما أمكن كتمه وستره فى العادة، إذ كان من مهم أمره، وأولى ما اهتبل به من سيرته، ولفخر به أهل تلك الشريعة ولا حتجوا به عليه، ولم يؤثر بشئ من ذلك.

وذهبت طائفة إلى امتناع ذلك عقلا، قالوا: لأنه يبعد أن يكون متبوعا من عرف تابعا. والتعليل الأول المستند إلى النقل أولى.

وذهب آخرون إلى الوقف فى أمره- صلى الله عليه وسلم- وترك قطع الحكم عليه بشئ من ذلك، إذ لم يحل الوجهين منها العقل، وهذا مذهب الإمام أبى المعالى إمام الحرمين وكذا الغزالى والآمدى.

وقال آخرون: كان عاملا بشرع من قبله. ثم اختلفوا: هل يتعين ذلك الشرع أم لا؟ فوقف بعضهم عن التعيين وأحجم، وجسر بعضهم على التعيين وصمم، ثم اختلفت هذه المعينة فيمن كان يتبع فقيل نوح، وقيل إبراهيم، وقيل موسى، وقيل عيسى.

فهذه جملة المذاهب فى هذه المسألة. والأظهر فيها ما ذهب إليه القاضى أبو بكر، وأبعدها مذاهب التعيين، إذ لو كان شئ من ذلك لنقل- كما قدمناه- ولم يخف جملة، ولا حجة لهم فى أن عيسى- عليه السّلام- آخر الأنبياء