وهو حجة لمن قال إن السهو جائز على الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- فيما طريقه التشريع. قال ابن دقيق العيد: وهو قول عامة العلماء والنظار، وشذت طائفة فقالوا: لا يجوز على النبى السهو، وهذا الحديث يرد عليهم- يعنى حديث ابن مسعود- فإن فيه «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون» . وإن كان القاضى عياض نقل الإجماع على عدم جواز دخول السهو فى الأقوال التبليغية، وخص الخلاف بالأفعال. لكنهم تعقبوه.
نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه، بل يقع له بيان ذلك، إما متصلا بالفعل أو بعده، كما وقع فى هذا الحديث من قوله:«لم أنس ولم تقصر» ثم تبين أنه نسى.
ومعنى قوله:«لم أنس» أى فى اعتقادى، لا فى نفس الأمر، ويستفاد منه: أن الاعتقاد عند فقد اليقين يقوم مقام اليقين، وفائدة السهو فى مثل ذلك بيان الحكم الشرعى إذا وقع مثله لغيره. وأما من منع السهو مطلقا، فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة:
فقيل: قوله «لم أنس» نفى للنسيان، ولا يلزم منه نفى السهو، وهذا قول من فرق بينهما، وقد تقدم تضعيفه، ويكفى فيه قوله فى هذه الرواية:
«بلى قد نسيت» وأقره على ذلك.
وقيل: قوله: «لم أنس» على ظاهره وحقيقته، وكان يتعمد ما يقع منه من ذلك ليقع التشريع منه بالفعل، لكونه أبلغ من القول.
وتعقب: بحديث ابن مسعود عند البخارى ومسلم بلفظ «صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فزاد أو نقص، شك بعض الرواة، والصحيح أنه زاد، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث فى الصلاة شئ؟ قال: «وما ذاك؟» قالوا:
صليت كذا وكذا، قالوا فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه قال: «إنه لو حدث فى الصلاة شئ لنبأتكم به، ولكن