للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون. فإذا نسيت فذكرونى، وإذا شك أحدكم فى صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين» «١» .

ففيه: إثبات العلة قبل الحكم، بقوله: «إنما أنا بشر مثلكم» ولم يكتف بإثبات وصف النسيان له، حتى دفع قول من عساه يقول: ليس نسيانه كنسياننا فقال: «كما تنسون» .

وبهذا الحديث أيضا يرد قول من قال: «معنى قوله لم أنس» إنكار اللفظ الذى نفاه عن نفسه حيث قال: «إنى لأنس أو أنسّى لأسن» «٢» وإنكار للفظ الذى أنكره على غيره حيث قال: «بئسما لأحدكما أن يقول نسيت آية كذا وكذا» «٣» .

وقد تعقبوا هذا أيضا بأن حديث «لا أنسى» لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التى لم توجد موصولة بعد البحث الشديد، وهى أربعة، قاله ابن عبد البر. وأما الآخر فلا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة نسيان كل شئ، فإن الفرق بينهما واضح جدّا.

وقيل: إن قوله «لم أنس» راجع إلى السلام، أى سلمت قصدا بانيا على اعتقادى أنى صليت أربعا، وهذا جيد، وكأن ذا اليدين فهم العموم فقال: «بلى قد نسيت» ، وكأن هذا القول أوقع شكّا احتاج معه إلى استثبات الحاضرين.

وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل كون ذى اليدين عدلا ولم يقبل خبره بمفرده، فسبب التوقف فيه كونه أخبر عن أمر يتعلق بفعل المسئول مغايرا لما فى اعتقاده.


(١) تقدم.
(٢) أخرجه ملك فى الموطأ (٢٢٥) فى السهو، باب: العمل فى السهو.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٥٠٣٢) فى فضائل القرآن، باب: استذكار القرآن وتعهده، بلفظ (نسيت آية كيت وكيت) ، ومسلم (٧٩٠) فى صلاة المسافرين، باب: الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت آية كذا. من حديث ابن مسعود- رضى الله عنه-.