للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ركعتين» ، وحض الناس على الصدقة الحديث «١» ... فأمره بأن يصلى ركعتين ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه، وورد أيضا ما يؤيد الخصوصية، وهو ما أخرجه ابن حبان وهو قوله- صلى الله عليه وسلم- لسليك فى آخر الحديث: «لا تعودن لمثلها» «٢» ، ومما يضعف الاستدلال به على جواز التحية فى تلك الحالة أنهم أطلقوا أن التحية تفوت بالجلوس.

فهذا ما اعتل به من طعن فى الاستدلال بهذه القصة على جواز التحية، وكله مردود، لأن الأصل عدم الخصوصية، والتعليل بكونه- صلى الله عليه وسلم- قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية، فإن المانعين منها لا يجيزون التطوع لعلة التصدق. قال ابن المنير: لو ساغ ذلك لساغ مثله فى التطوع عند طلوع الشمس وسائر الأوقات المكروهة، ولا قائل به.

ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر فى قصد التصدق، معاودته- صلى الله عليه وسلم- بأمره بالصلاة فى الجمعة الثانية بعد أن حصل له فى الجمعة الأولى ثوبان تصدق بهما عليه، فدخل بهما فى الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك. أخرجه النسائى وابن خزيمة من حديث أبى سعيد أيضا.

ولأحمد وابن حبان: أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث مرات فى ثلاث جمع، فدل على أن قصد التصدق عليه جزء علة، لا علة كاملة.

وأما إطلاق من أطلق أن التحية تفوت بالجلوس، فقد حكى النووى فى شرح مسلم عن المحققين: أن ذلك فى حق العامد العالم، أما الجاهل والناسى فلا، وحال هذا الداخل محمولة فى المرة الأولى على أحدهما، وفى المرتين الأخيرتين على النسيان.

والحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره معارض


(١) متفق عليه: أخرجه البخارى (٩٣٠) فى الجمعة، باب: إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلى، ومسلم (٨٧٥) فى الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب، من حديث جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما-.
(٢) حسن: أخرجه ابن حبان فى «صحيحه» (٢٥٠٤) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوى.