للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض.

وإذا تقرر ذلك: تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر، وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى.

فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره، لأنه يستحيل عليه- صلى الله عليه وسلم- أن يزيد فى القرآن عمدا ما ليس فيه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته.

وقد سلك العلماء فى ذلك مسالك:

فقيل: جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة، وهو لا يشعر، فلما علم بذلك أحكم الله آياته، وهذا أخرجه الطبرى عن قتادة.

ورده القاضى: عياض: بأنه لا يصح، لكونه لا يجوز على النبى صلى الله عليه وسلم- ذلك، ولا ولاية للشيطان عليه فى النوم.

وقيل: إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره. ورده ابن العربى بقوله تعالى، حكاية عن الشيطان: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ «١» الآية، قال: فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقى لأحد قوة على طاعة.

وقيل: إن المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوها بذلك، فعلق بحفظه صلى الله عليه وسلم- فجرى ذلك على لسانه لما ذكرهم سهوا.

وقد رد ذلك القاضى عياض فأجاد.

وقيل: لعله قال ذلك توبيخا للكفار.

قال القاضى عياض: وهذا جائز إذا كانت قرينة تدل على المراد، ولا سيما وقد كان الكلام فى ذلك الوقت جائزا فى الصلاة.

وإلى هذا نحا الباقلانى.


(١) سورة إبراهيم: ٢٢.