للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: إنه لما وصل إلى قوله: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «١» . خشى المشركون أن يأتى بعدها بشىء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك الكلام، فخلطوه فى تلاوة النبى- صلى الله عليه وسلم- على عادتهم فى قوله: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) ونسب ذلك إلى الشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك. أو المراد بالشيطان شيطان الإنس.

وقيل المراد بالغرانيق العلى، الملائكة، وكان الكفار يقولون: الملائكة بنات الله، ويعبدونها، فنسق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى «٢» فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع، وقالوا: إنه عظم آلهتنا ورضوا بذلك، فنسخ الله تينك الكلمتين وأحكم آياته.

وقيل: كان النبى- صلى الله عليه وسلم- يرتل القرآن، فارتصده الشيطان فى سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمة النبى- صلى الله عليه وسلم- بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله، وأشاعها.

قال: وهذا أحسن الوجوه، ويؤيد ما ورد عن ابن عباس فى تفسير «تمنى» ب «تلا» .

وكذا استحسن ابن العربى هذا التأويل وقال: معنى قوله: فى أمنيته، أى فى تلاوته، فأخبر الله تعالى فى هذه الآية أن سنة الله فى رسله، إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص فى أن الشيطان زاد فى قول النبى- صلى الله عليه وسلم-، لا أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قاله.

وقد سبق إلى ذلك الطبرى، مع جلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده فى النظر، فصوب هذا المعنى. انتهى» .

ثم هاجر المسلمون الثانية إلى أرض الحبشة. وعدتهم ثلاثة وثمانون رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم، وثمانى عشرة امرأة.


(١) سورة النجم: ٢٠.
(٢) سورة النجم: ٢١.
(٣) انظر «فتح البارى» للحافظ ابن حجر (٨/ ٤٣٩- ٤٤٠) .