للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنحر» «١» . وهذا خبر عنه لا يدخله الوهم ولا الغلاط، بخلاف خبر غيره عنه. قاله فى زاد المعاد.

وأما اختلاف الروايات عنه- صلى الله عليه وسلم- فى إهلاله، هل هو بالحج أو بالعمرة أو القران، والجمع بينها، فكل تأول بما يناسب مذهبه الذى قدمته.

قال البغوى: والذى ذكره الشافعى فى كتاب «اختلاف الأحاديث» كلاما موجزه: «أن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان منهم المفرد والقارن والمتمتع، فكل كان يأخذ عنه أمر نسكه، ويصدر عن تعليمه، فأضيف الكل إليه على معنى أنه أمر بها وأذن فيها، ويجوز فى لغة العرب إضافة الفعل إلى الآمر به، كما يجوز إضافته إلى الفاعل له، كما يقال: بنى فلان دارا، ويريد أنه أمر ببنائها، وكما روى أنه- صلى الله عليه وسلم- رجم ماعزا، وإنما أمر برجمه، ثم احتج بأنه- صلى الله عليه وسلم- كان أفرد الحج. انتهى، وقال الخطابى نحوه.

وقال النووى: كان- صلى الله عليه وسلم- أولا مفردا، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار قارنا، فمن روى الإفراد فهو الأصل، يعنى حمله على ما أهل به فى أول الحال، ومن روى القران أراد ما استقر عليه أمره، ومن روى التمتع أراد به التمتع اللغوى والارتفاق، فقد ارتفق بالقران كارتفاق التمتع وزيادة، وهو الاقتصار على فعل واحد. وقال غيره: أراد بالتمتع ما أمر به غيره. قالوا: وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها ويزول عنها الاضطراب والتناقض.

وقالت طائفة: إنما أحرم- صلى الله عليه وسلم- قارنا ابتداء يعنى بالحج والعمرة معا واحتجوا بأحاديث صحيحة تزيد على العشرين، منها حديث أنس فى صحيح مسلم سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل بهما: «لبيك عمرة وحجّا» «٢» .

ورواه عن أنس ستة عشر نفسا من الثقات، كلهم متفقون عن أنس أن لفظ النبى- صلى الله عليه وسلم- كان إهلالا بحج وعمرة معا.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٥٦٦) فى الحج، باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج. من حديث حفصة ولفظه إنى لبدت رأسى وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٦٩٢) فى الحج، باب: من ساق البدن معه. من حديث ابن عمر. وقد تقدم أكثر من مرة.