للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» «١» . وقوله: «ما أذن الله لشئ كإذنه لنبى حسن الصوت يتغنى القرآن» «٢» . أى ما استمع الله لشئ كاستماعه لنبى يتغنى بالقرآن يتلوه يجهر به، يقال منه: أذن يأذن أذنا بالتحريك. علمت أن هذا الترجيع منه- صلى الله عليه وسلم- كان اختيارا، لا اضطرارا لهز الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة لما كان داخلا تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغافل يحكيه ويفعله اختيارا ليتأسى به وهو يرى هذا من هز الراحلة له حتى ينقطع صوته، ثم يقول: «كان يرجع فى قراءته» فنسب الترجيع إلى فعله، ولو كان من هز الراحلة لم يكن منه فعل يسمى ترجيعا.

وقد استمع- صلى الله عليه وسلم- ليلة لقراءة أبى موسى الأشعرى، فلما أخبره بذلك قال: لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرا. أى حسنته وزينته بصوتى تزيينا. وهذا الحديث يرد على من قال: إن قوله «زينوا القرآن بأصواتكم» من باب القلب، أى: زينوا أصواتكم بالقرآن، فإن القلب لا وجه له. قال ابن الأثير: ويؤيد ذلك تأييدا لا شبهة فيه حديث ابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لكل شئ حلية، وحلية القرآن حسن الصوت» «٣» . والله أعلم. وقد اختلف العلماء فى هذه المسألة اختلافا كثيرا يطول ذكره، وفصل النزاع فى ذلك أن يقال: إن التطريب والتغنى على وجهين.

أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين وتعليم، بل إذا خلا فى ذلك وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فهذا جائز وإن أعانته طبيعته على فضل تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى للنبى- صلى الله عليه وسلم-: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا،


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧٥٢٧) فى التوحيد، باب: قول الله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به. من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٧٤٨٢) فى التوحيد، باب: قول الله تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده ... من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(٣) ضعيف: أخرجه عبد الرزاق فى الجامع، والضياء عن أنس، كما فى «ضعيف الجامع» (٤٧٢٢) .