للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأشعرى يقرأ فقال: «لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود» «١» . يعنى من مزامير داود نفسه، كما ذكره أهل المعانى. وفى طريق آخر- كما تقدم- أن أبا موسى قال: يا رسول الله، لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا «٢» . قال ابن المنير: فهذا يدل على أنه كان يستطيع أن يتلو أشجى من المزامير عند المبالغة فى التحبير، لأنه قد تلا مثلها وما بلغ الحد، فكيف لو بلغ حد استطاعته.

وقد كان داود- عليه السّلام- إذا أراد أن يتكلم على بنى إسرائيل يجوع سبعة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يأتى النساء، ثم يأمر سليمان فينادى فى الضواحى والنواحى والآكام والأودية والجبال: إن داود يجلس يوم كذا، ثم يخرج له منبرا إلى الصحراء، فيجلس عليه، وسليمان قائم على رأسه، فتأتى الإنس والجن والطير والوحش والهوام والعذارى والمخدرات يسمعون الذكر، فيأخذ فى الثناء على الله بما هو أهله، فتموت طائفة من المستمعين، ثم يأخذ فى النياحة على المذنبين فتموت طائفة، فإذا استجر الموت بالخلق قال له سليمان: يا نبى الله، قد استجر الموت بالناس، وقد مزقت المستمعين كل ممزق، فيخر داود مغشيّا عليه، فيحمل على سريره إلى بيته، وينادى منادى سليمان: أيها الناس، من كان له مع داود قريب أو حميم فليخرج لافتقاده، فكانت المرأة تأتى فتقف على زوجها أو ابنها أو أخيها، فتدخل به المدينة، فإذا أفاق داود فى اليوم الثانى قال: يا سليمان، ما فعل عباد بنى إسرائيل؟ فيقول له سليمان: قد مات فلان وفلان وهلم جرا. فيضع داود يده على رأسه وينوح ويقول: يا ربّ داود، أغضبان أنت على داود حتى إنه لم يمت فيمن مات خوفا منك أو شوقا إليك؟ فلا يزال ذلك دأبه إلى المجلس الآخر، وأقام داود- عليه السّلام- على ذلك ما شاء الله تعالى.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٥٠٤٨) فى فضائل القرآن، باب: حسن الصوت بالقراءة للقرآن، ومسلم (٧٩٣) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن. من حديث أبى موسى- رضى الله عنه-.
(٢) صحيح: وقد تقدم.