للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقع بصر المريد عليه وقع ميتا، فقال له أبو تراب يا أبا يزيد نظرة منك قتلته، وقد كان يدعى رؤية الحق فقال له أبو يزيد قد كان صاحبك صادقا، وكان الحق يتجلى له على قدر مقامه، فلما رآنى تجلى له على قدر ما رأى، فلم يطق فمات. واصطلاح أهل الطريق فى التجلى معروف، وحاصله: رتبة من المعرفة جلية علية ولم يكونوا يعنون بالتجلى رؤية البصر التى قيل فيها لموسى- عليه السّلام- على خصوصيته- لَنْ تَرانِي «١» والتى قيل فيها على العموم لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «٢» . وإذا فهمت أن مرادهم الذى أثبتوه غير المعنى الذى حصل منه الناس على اليأس فى الدنيا، ووعد الخواص به فى الآخرى، فلا ضير بعد ذلك عليك. ولا طريق لسوء الظن بالقوم إليك، والله متولى السرائر. انتهى ملخصا.

وإذا علمت هذا فاعلم أن السماع فى طريق القوم معروف، وفى الجواذب إلى المحبة معدود وموصوف، وقد نقل إباحته أبو طالب فى «القوت» عن جماعة من الصحابة كعبد الله بن جعفر، وابن الزبير، والمغيرة بن شعبة ومعاوية، وكذا الجنيد، والسرى وذى النون، واحتج له الغزالى فى «الإحياء» بما يطول ذكره، خصوصا فى أوقات السرور المباحة، تأكيدا له وتهييجا، كعرس وقدوم غائب، ووليمة وعقيقة وحفظ قرآن، وختم درس أو كتاب أو تأليف.

وفى الصحيحين من حديث عائشة: أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان فى أيام منى تدففان وتضربان، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف- صلى الله عليه وسلم- عن وجهه وقال: «دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد» «٣» . وفى رواية: دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعندى جاريتان


(١) سورة الأعراف: ١٤٣.
(٢) سورة الأنعام: ١٠٣.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٩٨٨) فى الجمعة، باب: إذا فاته العيد يصلى ركعتين، ومسلم (٨٩٢) فى صلاة العيدين، باب: الرخصة فى اللعب الذى لا معصية فيه فى أيام العيد. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.