للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تغنيان بغناء يوم بعاث- بضم الموحدة والعين المهملة آخره مثلاثة- اسم حصن للأوس، وبالمعجمة تصحيف، أى تنشدان الأشعار التى قيلت يوم بعاث، وهو حرب كان بين الأنصار، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرنى وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقبل عليه- صلى الله عليه وسلم- وقال: «دعهما» . واستدل جماعة من الصوفية بهذا الحديث على إباحة الغناء وسماعه بالة وبغير آلة.

وتعقب: بأن فى الحديث الآخر عند البخارى عن عائشة: «وليستا بمغنيتين» «١» فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم وعلى الحداء، ولا يسمى فاعله مغنيا، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق لما فيه من تعريض بالفواحش أو تصريح.

قال القرطبى: قولها- يعنى عائشة-: «ليستا بمغنيتين» أى ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك. قال: وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين، وهو الذى يحرك الساكن، ويبعث الكامن، وهذا إذا كان فى شعر فيه وصف محاسن النساء أو الخمر أو غيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف فى تحريمه. قال: وأما ما ابتدعته الصوفية فى ذلك فمن قبيل ما لا يختلف فى تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، حتى لقد ظهرت فى كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة، وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سنىّ الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة. انتهى.

والحق: أن السماع إذا وقع بصوت حسن، بشعر متضمن للصفات العلية، أو النعوت النبوية المحمدية، عريّا عن الآلات المحرمة، والحظوظ


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٩٥٢) فى الجمعة، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.