الخسيسة الغبية، والشبه الدنية، وآثار كامن المحبة الشريفة العلية، وضبط السامع نفسه ما أمكنه، بحيث لا يرفع صوته بالبكاء، ولا يظهر التواجد وهو يقدر على ضبط نفسه ما أمكنه مع العلم بما يجب لله ورسوله ويستحيل، لئلا ينزل ما يسمعه على ما لا يليق، كان من الحسن فى غاية، ولتمام تزكية النفس نهاية. نعم تركه والاشتغال بما هو أعلى أسلم لخوف الشبهة، وللخروج من الخلاف، إلا نادرا.
وقد نقل عن الإمام الشافعى ومالك وأبى حنيفة وجماعة من العلماء ألفاظ تدل على التحريم، ولعل مرادهم ما كان فيه تهييج شيطانى، وإذا كان النظر فى السماع باعتبار تأثيره فى القلوب، لم يجز أن يحكم فيه مطلقا بإباحة ولا تحريم، بل يختلف ذلك بالأشخاص، واختلاف طرق النغمات، فحكمه حكم ما فى القلب، وهو لمن يرتقى لربه ترقية مثير للكامن فى النفوس من الأزل، حين خاطبنا الحق تعالى بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ «١» فما كان فى القلب من رقة ووجد وحقيقة فهو من حلاوة ذلك الخطاب، والأعضاء كلها ناطقة بذكره، مستطيبة لاسمه، فالسماع من أكبر مصايد النفوس، وإذا اقترن بألحانه المناسبة، وكان الشعر متضمنا لذكر المحبوب الحق، برز الكامن وذاعت الأسرار سيما فى أرباب البدايات.
وقد شوهد تأثير السماع حتى فى الحيوانات الغير الناطقة من الطيور والبهائم، فقد شوهد تدلى الطيور من الأغصان على أولى النغمات الفائقة، والألحان الرائقة، وهذا الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثيرا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر لقوة نشاطه فى سماعه المسافة الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه، فتراه إذا طالت عليه البوادى، وأعياه الإعياء تحت الحمل إذا سمع منادى الحداء يمد عنقه ويصغى إلى الحادى، ويسرع فى سيره، وربما أتلف نفسه فى شدة السير وثقل الحمل، وهو لا يشعر بذلك لنشاطه.