للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحلب فيه ثجا وسقى القوم حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم حلب فيه مرة أخرى علا بعد نهل، ثم غادره عندها وذهبوا.

فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد- قال السهيلى: لا يعرف اسمه، وقال العسكرى: أكثم بن أبى الجون، ويقال: ابن الجون- يسوق أعنزا عجافا، يتساوكن هزالا، مخهن قليل.

فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال: ما هذا يا أم معبد؟ أنى لك هذا والشاء عازب حيال، ولا حلوب فى البيت؟ فقالت: لا والله، إلا أنه مربنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. فقال: صفيه يا أم معبد.

فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة. مليح الوجه حسن الخلق، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، فى عينيه دعج، وفى أشفاره وطف، وفى صوته صحل، أحور أكحل، أزج أقرن، شديد سواد الشعر، فى عنقه سطع، وفى لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، أجهر الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند.

فقال: هذا والله صاحب قريش، لو رأيته لا تبعته «١» .

قالت أسماء بنت أبى بكر: ولما خفى علينا أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أتانا نفر من قريش منهم أبو جهل بن هشام، فخرجت إليهم، فقال: أين أبوك؟ فقلت: والله لا أدرى أين أبى، قالت: فرفع أبو جهل يده- وكان فاحشا خبيثا- فلطم خدى لطمة خرج منها قرطى، قالت: ثم انصرفوا.

ولما لم ندر أين توجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أتى رجل من الجن يسمعون صوته ولا يرونه، وهو ينشد هذه الأبيات:


(١) أخرجه ابن سعد فى «طبقاته» (١/ ١٧٨) .