للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المرتفعة لا خفاء فيه إلا على ملحد أعمى البصيرة، فالمدينة أرفع المدن، والمسجد أرفع المساجد والبقعة أرفع البقع، قضية معلومة وحجة ظاهرة موجودة. انتهى.

وقال الخطابى: المراد من هذا الحديث الترغيب فى سكنى المدينة، وأن من لازم ذكر الله فى مسجدها آل به إلى روضة من رياض الجنة، وسقى يوم القيامة من الحوض انتهى. وتقدم فى الخصائص من مقصد المعجزات مزيد لذلك.

وعند مسلم من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:

«صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» .

وقد اختلف العلماء فى المراد بهذا الاستثناء على حسب اختلافهم فى مكة والمدينة أيهما أفضل؟

ومذهب سفيان بن عيينة والشافعى وأحمد- فى أصح الروايتين عنه- وابن وهب ومطرف وابن حبيب- الثلاثة من المالكية- وحكاه الساجى عن عطاء بن أبى رباح، والمكيين والكوفيين. وحكاه ابن عبد البر عن عمر وعلى وابن مسعود وأبى الدرداء وجابر وابن الزبير وقتادة، وجماهير العلماء، أن مكة أفضل من المدينة، وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيها مرجوحة.

وقد حكى ابن عبد البر أنه روى عن مالك ما يدل على أن مكة أفضل الأرض كلها، قال: ولكن المشهور عن أصحابه فى مذهبه تفضيل المدينة.

انتهى. وقال مالك: المدينة ومسجدها أفضل.

ومما احتج به أصحابنا لتفضيل مكة: حديث عبد الله بن الحمراء أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على راحلته يقول: «والله إنك لخير أرض الله وأحبها إلى الله، ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت» «١» . قال الترمذى:


(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٩٢٥) فى المناقب، باب: ما جاء فى فضل من رأى النبى- صلى الله عليه وسلم- وصحبه، وابن ماجه (٣١٠٨) فى المناسك، باب: فضل مكة، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .