للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى. ولا نسلم أن الفضل للمكان لذاته ولكن لأجل من حلّ فيه- صلى الله عليه وسلم-.

انتهى.

وقد روى أبو يعلى عن أبى بكر أنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يقبض النبى إلا فى أحب الأمكنة إليه» . ولا شك أن أحبها إليه أحبها إلى ربه تعالى، لأن حبه تابع لحب ربه جل وعلا، وما كان أحب إلى الله ورسوله كيف لا يكون أفضل؟ وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إن إبراهيم دعاك لمكة، وإنى أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لمكة ومثله معه» «١» . ولا ريب أن دعاء النبى- صلى الله عليه وسلم- أفضل من دعاء إبراهيم، لأن فضل الدعاء على قدر فضل الداعى. وقد صح أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم حبب إلينا المدينة، كحبنا مكة أو أشد» «٢» . وفى رواية «بل أشد» وقد أجيبت دعوته، حتى كان يحرك دابته إذا رآها من حبها. وروى الحاكم أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم إنك أخرجتنى من أحب البقاع إلىّ فأسكنى فى أحب البقاع إليك» «٣» أى فى موضع تصيره كذلك، فيجتمع فيه الحبان. قيل ضعفه ابن عبد البر، ولو سلمت صحته فالمراد: أحب إليك بعد مكة لحديث «إن مكة خير بلاد الله» ، وفى رواية «أحب أرض الله إلى الله» ، ولزيادة التضعيف بمسجد مكة.

وتعقبه العلامة السيد السمهودى: بأن ما ذكر لا يقتضى صرفه عن ظاهره، إذ القصد به الدعاء لدار هجرته بأن يصيرها الله كذلك. وحديث:

«إن مكة خير بلاد الله» محمول على بدء الأمر قبل ثبوت الفضل للمدينة، وإظهار الدين، وافتتاح البلاد منها حتى مكة، فقد أنالها وأنال بها ما لم يكن لغيرها من البلاد، فظهر إجابة دعوته، وصيرورتها أحب مطلقا بعد، ولهذا


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١٣٧٣) فى الحج، باب: فضل المدنية ودعاء النبى فيها بالبركة. من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٨٨٩) فى الحج، باب: كراهية النبى أن تعدى المدينة. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(٣) ذكره العجلونى فى «كشف الخفاء» (٥٥٥) وعزاه للحاكم فى المستدرك، وابن سعد فى شرف المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، إلا أنى لم أقف عليه فى المستدرك.