جماعة أنه دخل مكة الطاعون فى العام الذى كان فى سنة تسع وأربعين وسبعمائة، بخلاف المدينة فلم يذكر أحد أنه وقع الطاعون بها أصلا.
وأجاب بعضهم بأنه- صلى الله عليه وسلم- عوضهم عن الطاعون بالحمى، لأن الطاعون يأتى مرة بعد مرة، والحمى تتكرر فى كل حين فيتعادلان فى الأجر، ويتم المراد من عدم دخول الطاعون المدينة.
قال الحافظ ابن حجر: ويظهر لى جواب آخر، بعد استحضار الذى أخرجه أحمد من رواية أبى عسيب- بمهملتين آخره موحدة، بوزن عظيم- رفعه:«أتانى جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام»«١» ، وهو أن الحكمة فى ذلك: أنه- صلى الله عليه وسلم- لما دخل المدينة كان فى قلة من أصحابه عددا ومددا، وكانت المدينة وبيئة، كما فى حديث عائشة، ثم خير- صلى الله عليه وسلم- فى أمرين يحصل بكل منهما الأجر الجزيل، فاختار الحمى حينئذ لقلة الموت بها غالبا بخلاف الطاعون، ثم لما احتاج إلى جهاد الكفار، وأذن له فى القتال كانت قضية استمرار الحمى بالمدينة تضعف أجساد الذين يحتاجون إلى التقوية لأجل الجهاد، فدعا بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة، فعادت المدينة أصح بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك، ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل فى سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له الحمى التى هى حظ المؤمن من النار، ثم استمر ذلك بالمدينة تمييزا لها عن غيرها لتحقق إجابة دعوته وظهور هذه المعجزة العظيمة بتصديق خبره فى هذه المدة المتطاولة، فكان منع دخول الطاعون من خصائصها ولوازم دعائه- صلى الله عليه وسلم- لها بالصحة. وقال بعضهم:
هذا من المعجزات المحمدية، لأن الأطباء من أولهم إلى آخرهم عجزوا أن يدفعوا الطاعون عن بلد، بل عن قرية، وقد امتنع الطاعون عن المدينة هذه الدهور الطويلة، انتهى ملخصا والله أعلم.
ومن خصائص المدينة أن غبارها شفاء من الجذام والبرص بل من كل
(١) أخرجه أحمد (٥/ ٨١) من حديث أبى عسيب مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.