للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو العباس القرطبى صاحب «المفهم» : الصحيح أنه لم يأت فى تعيينهم خبر صحيح، والكل محتمل. وتعقبه تلميذه فى «التذكرة» فقال: قد ورد فى حديث أبى هريرة بأنهم الشهداء وهو صحيح. وعن أبى هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سأل جبريل عن هذه الآية: «من الذين لم يشأ الله أن يصعقوا؟» قال: هم شهداء الله «١» . وصححه الحاكم.

وقيل: هم حملة العرش وجبريل وميكائيل وملك الموت، ثم يموتون، وآخرهم ملك الموت، وقيل هم الحور العين والولدان فى الجنة.

وتعقب: بأن حملة العرش ليسوا من سكان السماوات والأرض، لأن العرش فوق السماوات كلها، وبأن جبريل وميكائيل وملك الموت من الصافين المسبحين، ولأن الحور العين والولدان فى الجنة، وهى فوق السماوات ودون العرش، وهى بانفرادها عالم مخلوق للبقاء فلا شك أنها بمعزل عما خلقه الله للفناء. ثم إنه وردت الأخبار بأن الله تعالى يميت حملة العرش وملك الموت وميكائيل ثم يحييهم. وأما أهل الجنة فلم يأت عنهم خبر، والأظهر أنها دار خلود، فالذى يدخلها لا يموت فيها أبدا، مع كونه قابلا للموت، فالذى خلق فيها أولى أن لا يموت فيها أبدا.

فإن قلت: قوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ «٢» يدل على أن الجنة نفسها تفنى ثم تعاد ليوم الجزاء، ويموت الحور العين ثم يحيون.

أجيب: بأنه يحتمل أن يكون معنى قوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ «٣» أى أنه قابل للهلاك، فيهلك إن أراد الله به ذلك، إلا هو سبحانه فإنه قديم، والقديم لا يمكن أن يفنى، انتهى ملخصا من تذكرة القرطبى.

ويؤيد القول بعدم موت الحور قولهن: نحن الخالدات فلا نموت، كما فى الحديث. ولا يقال: المراد من قولهن الخلود الكائن بعد القيامة، لأنه لا خصوصية فيه، والأوصاف المشتركة لا يتباهى بها، والله أعلم.


(١) ذكره الحافظ فى «الفتح» (١١/ ٣٧١) .
(٢) سورة القصص: ٨٨.
(٣) سورة القصص: ٨٨.