للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقع فى رواية حذيفة: أن الخليل- عليه السّلام- قال: «لست بصاحب ذاك، إنما كنت خليلا من وراء وراء» . بفتح الهمزة فيهما بلا تنوين، ويجوز البناء فيها على الضم للقطع عن الإضافة نحو «من قبل ومن بعد» واختار أبو البقاء. قال الأخفش: يقال لقيته من وراء بالضم، وقال:

إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء

ويجوز فيهما النصب والتنوين جوازا جيدا، قاله أبو عبد الله الأبى.

ومعناه: لم أكن فى التقريب والإدلال بمنزلة الحبيب، وقيل: مراده: إن الفضل الذى أعطيته كان بسفارة جبريل، ولكن ائتوا موسى الذى كلمه الله بلا واسطة، وكرر «وراء» إشارة إلى نبينا- صلى الله عليه وسلم- لأنه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة، فكأنه قال: أنا من وراء موسى، الذى هو من وراء محمد، وسبق مزيد لذلك فى الخصائص.

وأما ما ذكره من الكذبات الثلاث، فقال البيضاوى: الحق أنها إنما كانت من معاريض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استقصارا لنفسه عن الشفاعة، لأن من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة، كان أعظم خوفا.

وأما قوله عن عيسى: «إنه لم يذكر ذنبا» ، فوقع فى حديث ابن عباس عند أحمد والنسائى: «إنى اتخذت إلها من دون الله» » .

وفى حديث النضر بن أنس عن أبيه، حدثنى نبى الله- صلى الله عليه وسلم- قال:

«إنى لقائم انتظر أمتى عند الصراط، إذ جاء عيسى فقال: يا محمد، هذه الأنبياء قد جاءتك يسألونك لتدعو الله أن يفرق جمع الأمم إلى حيث شاء، لعظم ما هم فيه» «٢» .

فأفادت هذه الرواية تعيين موقف النبى- صلى الله عليه وسلم- حينئذ، وأن هذا الذى


(١) ذكره الهيثمى فى «المجمع» (١٠/ ٣٧٢) وقال: رواه أبو يعلى وأحمد وفيه على بن زيد، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجالهما رجال الصحيح.
(٢) ذكره الهيثمى فى «المجمع» (١٠/ ٣٧٣) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.