للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله» ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته» ، وقال بيده فوق رأسه. يعنى أن الجنة إنما تدخل برحمة الله، وليس عمل العبد سببا مستقلا بدخولها وإن كان سببا، ولهذا أثبت الله دخولها بالأعمال فى قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «١» ، ونفى- صلى الله عليه وسلم- دخولها بالأعمال فى قوله: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله» ولا تنافى بين الأمرين، لما ذكره سفيان وغيره، قال:

كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمة الله، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال، ويدل له حديث أبى هريرة: إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم. رواه الترمذى.

قال ابن بطال: محمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، ومحل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها. ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»

فصرح بأن دخول الجنة أيضا بالأعمال. وأجاب: بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير: ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، وليس المراد بذلك أصل الدخول.

ثم قال: ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للآية والتقدير: ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم، لأن اقتسام منازل الجنة برحمة الله، وكذا أصل دخول الجنة برحمته، حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك، ولا يخلو شئ من مجازاته لعباده من رحمته وفضله، وقد تفضل الله عليهم ابتداء بإيجادهم، ثم برزقهم، ثم بتعليمهم.

وأشار إلى نحوه القاضى عياض فقال: وإن من رحمة الله توفيقه للعمل، وهدايته للطاعة، وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله، وإنما هو بفضل الله ورحمته.

وقال غيره: لا تنافى بين ما فى الآية والحديث، لأن «الباء» التى أثبتت


(١) سورة الزخرف: ٧٢.
(٢) سورة النحل: ٣٢.