مطلوبهم، فأى نعيم وأى لذة وأى قرة عين وأى فوز يدانى تلك المعية ولذتها، وقرة العين بها، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية الله ورسوله نعيم، فلا شئ- والله- أجل ولا أكمل ولا أجمل ولا أجلى ولا أحلى ولا أعلى ولا أغلى من حضرة يجتمع فيها المحب بأحبابه فى مشهد مشاهد الإكرام حيث ينجلى لهم حبيبهم ومعبودهم الإله الحق جل جلاله خلف حجاب واحد فى اسمه الجميل اللطيف، فينفهق عليهم نور يسرى فى ذواتهم فيبهتون من جمال الله، وتشرق ذواتهم بنور ذلك الجمال الأقدس، بحضرة الرسول الأرأس، ويقول لهم الحق جل جلاله: سلام عليكم عبادى، ومرحبا بكم أهل ودادى، أنتم المؤمنون الآمنون، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، أنت أوليائى وجيرانى، وأحبابى، إنى أنا الله الجواد الغنى، وهذه دارى قد أسكنتكموها، وجنتى قد أبحتكموها، وهذه يدى مبسوطة ممتدة عليكم، وأنا ربكم أنظر إليكم، لا أصرف نظرى عنكم، أنا لكم جليس وأنيس، فارفعوا إلى حوائجكم، فيقولون ربنا حاجتنا إليك النظر إلى وجهك الكريم والرضا عنا، فيقول لهم جل جلاله: هذا وجهى فانظروا إليه وأبشروا، فإنى عنكم راض، ثم يرفع الحجاب ويتجلى لهم فيخرون سجدا فيقول لهم: ارفعوا رؤسكم، فليس هذا موضع سجود يا عبادى، ما دعوتكم إلا لتتمتعوا بمشاهدتى، يا عبادى قد رضيت عنكم فلا أسخط عليكم أبدا.
فما أحلاها من كلمة، وما ألذها من بشرى، فعندها يقولون: الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن، وأحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب، إن ربنا لغفور شكور.
وهذا يدل على أن جميع العبادات تزول فى الجنة إلا عبادة الشكر والحمد والتسبيح والتهليل. والذى يدل عليه الحديث الصحيح، أنهم يلهمون ذلك كإلهام النفس، كما فى مسلم من حديث جابر: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:«يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولا يمتخطون ولا يبولون، ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك، يلهمون التسبيح والحمد، كما يلهمون النفس، يعنى أن تسبيحهم وتحميدهم يجرى مع الأنفاس» ، فليس