ونوقض أيضا بالإذن فى أكل الخيل، ولو كان رخصة لأجل المخمصة لكانت الحمر الأهلية أولى بذلك لكثرتها وعزة الخيل حينئذ، فدل على أن الإذن فى أكل الخيل إنما كان للإباحة العامة لا لخصوص الضرورة.
وقد نقل عن مالك وغيره من القائلين بالتحريم: أنهم احتجوا للمنع بقوله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً «١» . وقرروا ذلك بأوجه:
أحدها: أن اللام للتعليل، فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك، لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر. فإباحة أكلها تقتضى خلاف ظاهر الآية.
ثانيها: عطف البغال والحمير، فدل على اشتراكها معهما فى حكم التحريم، فيحتاج من أفرد حكم ما عطف عليها إلى دليل.
ثالثها: أن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كان ينتفع بها فى الأكل لكان الامتنان به أعظم، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ويترك أعلاها، ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل فى المذكورات قبلها.
رابعها: لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان من الركوب والزينة.
وأجيب: بأن آية النحل [٨] مكية اتفاقا، والإذن فى أكل الخيل كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين، فلو فهم النبى- صلى الله عليه وسلم- من الآية المنع لما أذن فى الأكل.
وأيضا: فاية النحل [٨] ليست نصّا فى منع الأكل والحديث صريح فى جوازه.
وأيضا: فلو سلمنا أن اللام للتعليل، لم نسلم إفادة الحصر فى الركوب والزينة، فإنه ينتفع بالخيل فى غيرهما، وفى غير الأكل اتفاقا، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل. ونظيره حديث البقرة