وجه، فإن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وإن كنت لم تفعل فانج إلى نجائك.
وكان كعب قد قال:
ألا بلغا عنى بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبين لنا إن كنت لست بفاعل ... على أى شىء غير ذلك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا ... عليه ولا تلقى عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست باسف ... ولا قائل إما عثرت لعا لكا
سقاك بها المأمون كأسا رويّة ... فأنهلك المأمون منها وعلّكا «١»
قال السهيلى: «لعا» كلمة تقال للعاثر دعاء له. انتهى.
قال ابن إسحاق: وبعث بها إلى بجير، فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنشده إياها. فقال- صلى الله عليه وسلم-: سقاك بها المأمون. صدق وإنه لكذوب، وأنا المأمون.. ولما سمع: على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه، قال: أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه. ثم قال- عليه الصلاة والسلام-: من لقى منكم بن زهير فليقتله.. فكتب إليه أخوه بهذه الأبيات:
من مبلغ كعبا فهل لك فى التى ... تلوم عليها باطلا وهى أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده ... فتنجو إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت ... من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شىء دينه ... ودين أبى سلمى على محرم
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان فى حاضره من عدوه فقال: هو مقتول. فلما لم يجد من شىء بدا، قال قصيدته التى يمدح بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويذكر خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه.
(١) كأسا روية: أى مروية، والنّهل: الشرب الأول، والعلل: الشرب الثانى، والمأمون: يقصد النبى- صلى الله عليه وسلم- لما كانت تسميه به قريش الصادق الأمين.